ثمة أسئلة كثيرة تطرح عن معنى بقاء جامعة الدول العربية، بعد إلغاء عضوية سورية فيها، وتوجيه التهديد والوعيد للبنان، وتحويل مصر إلى دولة هامشية، وتوجيه رسائل موزعي الكاز العربي إلى العراق سواء عبر تصعيد العمليات الإرهابية أو عبر التهديد بتقسيم بلاد الرافدين.
وللعلم فإن جامعة الدول العربية انطلقت بقمتها الأولى في انشاص في مصر عام 1946، بحضور سبعة دول فقط هي: مصر، سورية، لبنان، السعودية، إمارة شرق الأردن، العراق، واليمن، وقد لعب الرئيسان السوري شكري القوتلي، واللبناني بشارة الخوري دوراً هاماً وأساسياً في صياغة البيان الختامي، والقوتلي هو من أطلق الألقاب على من حضروا ذاك الاجتماع، والمفارقة في ذاك الاجتماع أن السعودية التي كانت ممثلة بولي العهد، الأمير سعود بن عبد العزيز، الملك لاحقاً، وبوزير الخارجية الأمير فيصل، والملك لاحقاً، لم يكونا مخولين بتوقيع البيان الختامي والمقررات، لأن أبيهما عبد العزيز، كان أوكل الأمر رسمياً لملك مصر فاروق، لأن يوقع عنه.
نسوق هذا الأمر، للإشارة إلى الحملة التي تقودها مملكة الرمال، ضد لبنان، بسبب موقفه الميثاقي الذي درج عليه منذ بداية الاستقلال، من جهة، وبسبب موجه العداء المستمرة والمتصاعدة ضد سورية، من جهة ثانية، وتوجيه التهديدات، ضد الدول العربية ذات الأنظمة الجمهورية، كما هو حاصل ضد تونس والجزائر، من جهة ثالثة، وتصعيد الحرب والقتل في اليمن ومحاولات توسيع رقعة الإرهاب في العراق من جهة رابعة، لأنها لم تكن أساسية في ذاك اللقاء بعكس ما كان عليه لبنان وسورية ومصر.
قد يكون واقع الحال هذا، هو حالة تصويرية لما يجري على الساحات العربية، لكن ما تحفل به ردهات جامعة الدول العربية، هو أشد وأدهى، لأنه حسب رأي مصدر ديبلوماسي عربي مخضرم، هو تنفيذ لوصية الثعلب الصهيوني العجوز شيمون بيريز الذي أصدر عام 1993، كتابه "الشرق الأوسط الجديد" على أثر مؤتمر مدريد للسلام، وكأن المؤتمر قد جاء استجابة لما تريد «اسرائيل» من العرب و الدول الراعية، وليس مؤتمراً للسلام فقط، فالكتاب يدعو إلى قيام سوق مشتركة في الشرق الاوسط شاملاً «اسرائيل» كعضو أساسي فيه. طالباً من العرب التخلي عن ماضيهم العدائي تجاه الدولة اليهودية، بل وأكثر من ذلك دعوتهم إلى نسيان تاريخهم والانقطاع عن ذاكرتهم عبر تحويل الجامعة العربية إلى جامعة دول الشرق الاوسط، لان الإسرائيليين وحسب تعبيره لن يتحولوا إلى عرب. لقد تجلى الهدف من المشروع، عندما طلب الوفد الإسرائيلي في اجتماع اللجنة الاقتصادية في الدار البيضاء عام 1994، طلب وبكل وقاحة ان تتخلى مصر عن زعامة العالم العربي، - تابعوا ما يجري على مصر من ضغوط وتهويل- .
وبرأي الديبلوماسي العربي، فإن اللقاء الذي سبق للملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز أن عقده تحت عنوان "حوار الديانات" وحضره شيمون بيريز، كان يصب في منحى كسر التحريم بالتواصل المباشر مع العدو الإسرائيلي، خصوصاً بعد أن اعتمدت واشنطن نظرية بيريز، وتبنى المحافظون الجدد في الولايات المتحدة هذه النظرية وبدأ العمل على تحقيقها مع وصول جورج بوش الابن عام 2000 إلى الرئاسة الأميركية بالاعتماد على القوة العسكرية المباشرة خصوصاً بعد احداث 11 أيلول. فكانت الحرب على أفغانستان والعراق والحرب الاسرائيلية على لبنان 2006. فشلت الولايات المتحدة في تحقيق اهدافها عسكرياً وسياسياً في الحروب التي خاضتها. ومع انتهاء عهد بوش الإبن، وضعت «كونداليزا رايس» مجموعة من التوصيات للادارة القادمة، ومنها وجوب التحول الى الحرب الناعمة بدلا من القوة الصلبة لتحقيق الاهداف المرسومة لاميركا. وبمجيء باراك أوباما الذي أخذ بتوصيات رايس معتمداً على مشروع «برنارد لويس» القاضي بتقسيم الدول القائمة الى دول مذهبية واتنية.
وأمام بدء الأشهر الأخيرة من ولاية باراك اوباما، كانت مقابلته مع مجلة "ذي اتلانتك" التي كال فيها اتهامات خطيرة ضد السعودية بدعمها ومساندتها للإرهاب، وهو ما استدعى رداً من تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية (1977 – 1999) لكن فيه كثير من الاعترافات عن الدور الدموي لمملكته فيقول: "نحن سبب خراب هذه المنطقة، نحن من دعمنا الولايات المتحدة الأميركية، مرتكبة المجازر في افغانستان والعراق وغيرهما لعشرات السنين".
ويذكر تركي الفيصل اوباما، بأن السعودية هي من دربت ودعمت المقاتلين في سورية، وهي من قادت الحرب في اليمن.
ويشير إلى خدمات "مملكته" على بلاد العام سام، "نحن من يشتري السندات الحكومية الأميركية ذات الفوائد المنخفضة التي تدعم بلادك، نحن من يبتعث آلاف الطلبة إلى بلادك، وبتكلفة عالية.. ونحن من يستضيف أكثر من ثلاثين ألف مواطن أميركي وبأجور مرتفعة، لكي يعملوا في شركاتنا وصناعاتنا"..
وفي هذا الاعتراف.. من الواقع ما يفي عن توجيه اتهام.