وقف منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد وحيداً في مركز الأمانة العامة، ليُعلن النعي الرسمي لقوى انطلقت من "َضريح" وانتهت في ضريح، بعد أن يئس من جمع هذه القوى على كلمة سواء دون جدوى، وتردَّد أنه قبل إعتلاء منبر النعي، كان بصدد تقديم استقالته، لولا تمنيات من الرئيس فؤاد السنيورة عليه تأجيل الخطوة بانتظار تمرير هذه المرحلة.
والحصيلة الواقعية، "انفخت الدفّ وتفرَّق العشاق"، فلا التحالفات الإنتخابية بقيت، ولا مقولة "العبور الى الدولة" باتت تمرّ على اللبنانيين، سيما وأن معظم ملفات الفساد هي بعهدة حكومات 14 آذار المتعاقبة، وملف النفايات على فضائحه، هو نموذج عن الأداء وعن الدولة التي تنوي 14 آذارالعبور باللبنانيين إليها، ولم ينتظر حلفاء الأمس أن يأتي النعي من خصومهم السياسيين بل تولوا بأنفسهم الإعتراف أن 14 آذار قد انتهت، وعاد الأقطاب الى أحزابهم في محاولة جمع شمل بعيداً عن "لبنان أولاً"، في محاكاةٍ حميمية للقواعد الشعبية التي انكفأت من ساحة الشهداء الجامعة لها، الى الشوارع الحزبية بعد أن بات البيال وقاعة مسجد محمد الأمين ملجأً للنُخَب التي انهزمت أمام خيبات الجماهير بها.
إنهيار 14 آذار بدأ قبيل العام 2013، والتمديد مرتين للمجلس النيابي، هو بحد ذاته نأيٌ بالنفس عن مواجهة الشارع الإنتخابي اليائس من وعود الساحات، وخطأ الفرقاء في هذا الفريق أنهم ذهبوا بعيداً مع الرئيس الحريري في رهانات "النصر في سوريا"، وما عليهم الآن سوى تقبُّل هزيمة المحور الإقليمي المحسوبين عليه وعلى رأسه المملكة السعودية، التي خاب أمل أميركا بها كأداة لإشعال الشرق، وخاب أملها هي بسعد الحريري لتحفيز الساحة السنِّية.
وإذا كانت "القوات اللبنانية"، متماسكة هيكلياً وشعبياً أكثر من باقي الحلفاء، فإن تيار المستقبل الذي قاد الفريق منذ العام 2005 هو الخاسر الأكبر، وفي الوقت الذي حفظت فيه القوات حقوقها في الشارع المسيحي، وخصوصاً بعد التفاهم مع التيار الوطني الحر، فإن الرئيس الحريري يسعى ضمن كل منطقة لتفاهمات سنِّية تحميه من نكسة الإنتخابات البلدية المرتقبة، والتي لم يستطع حتى الآن عرقلة إجرائها، ووجد نفسه مُلزماً لتفاهم مع النائب السابق عبد الرحيم مراد في البقاع لأن انتخابات بلديات 2010 أظهرت تفوّق "تيَّار مراد" عليه في البقاعين الأوسط والغربي، كما أن الحريري مُلزم بتفاهمات مع الميقاتي والصفدي في طرابلس لتكون له حصَّة في المجلس البلدي تحفظ له ماء الوجه، كما أن عليه استرضاء المرعبي والضاهر المتمرِّدَين عليه في عكار كي لا يتلقى "المستقبل" الصفعة القاسية، وأيضاً شاء أم أبى الحريري، فهو بحاجة الى مسايرة أسامة سعد في صيدا، وتبقى أمامه بيروت التي ستكون أم المعارك التي سيخوض فيها مواجهة مع تحالف التيار الوطني الحر – القوات، إضافة الى حزب الله.
وإذا كانت الكتائب اللبنانية تمارس التمايز عن حلفاء الأمس من خلال مواقفها في كافة الملفات، بدءاً من رئاسة الجمهورية وانتهاء بملف النفايات، فهي تمتلك على الأقل حيثية متنية مقبولة لكنها عاجزة "بلدياً" عن مواجهة ماكينة النائب ميشال المر المُستنفرة بالكامل هذه الأيام، إضافة الى قوة التيار الوطني الحر في القضاء، أما النائب دوري شمعون الذي لم تعوِّم 14 آذار حزبه الذي انقرض في عهده على مستوى القوة السياسية، فلن تقدِّم أو تؤخر معه نهاية 14 آذار لأن الرضى الجنبلاطي هو الأهم بالنسبة إليه لتأمين المقعد "الحُلم" له أو لنجله في الشوف مستقبلاً.
المستقلون من هذا الفريق الذي كانوا يستمدون حيثيتهم من تحالفهم مع المستقبل أمثال النائب بطرس حرب والنائبين السابقين سمير فرنجية وفارس سعيد، هم الذين سيدفعون الثمن الأكبر، كونهم باتوا "يتامى الفقيد"، ولو أن أمثال النائب نديم الجميل يعيشون أجواء مكابرة فضفاضة فارغة، أن روحية 14 آذار باقية كما صرَّح في لقاء مسائي بالأشرفية حضره بضعة عشر شخصاً من أنصاره وحاول من خلاله الجميل إقامة الموتى وإحياء 14 آذار إفتراضياً!
رحيل 14 آذار لا يعني انتصاراً لفريق 8 آذار، لأن الإستحقاقات القادمة ستدفع باللبنانيين الى التعالي عن إصطفافات الزواريب، وأمام تهديدات داعش، والتي كان عنوانها أسلمة المسيحيين في لبنان أو تدفيعهم الجزية أو قتلهم، هي قضية وطنية سيواجهها المسلمون قبل المسيحيين، والمطلوب من 8 آذار ومعها التيار الوطني الحر، وضع ملف إنتخابات الرئاسة على الرفّ، بانتظار وضوح مسار الأزمة السورية وتأمين الحدود الشرقية والشمالية بالكامل، خصوصاً بعد القرار الروسي بالإنسحاب "الجزئي" من سوريا تمهيداً لتفعيل العملية السياسية.
في الخلاصة، لا رئيس في لبنان قبل ظهور الدخان الأبيض من مدخنة قصر المهاجرين، وطالما أن الوضع الإقليمي، خاصة السعودي – الإيراني ما زالت مدخنته تنفث لَهبَاً أسود، وطالما أن السعودية مصرَّة على المكابرة حتى آخر رمق، وتحلم بالهجوم على سوريا عبر الأراضي العراقية، وحيث في العراق بالذات سيكون البكاء السعودي وصرير الأسنان، فإن على لبنان الإنتظار وتمرير الوقت واستكمال حوارات الطرشان حتى إشعارٍ آخر ....