كثرت المواقف والتحليلات والتأويلات بشأن القرار الروسي الأخير بسحب قوات روسية من سورية، وبصرف النظر عن ابعاد التحليلات التي انطلقت فور الإعلان عن هذا القرار، فإنه لا بد من تسجيل عدد من الملاحظات الهامة.
قد يكون ضرورياً مراجعة القرار الروسي، بالإعلان عن انسحاب القوات من سورية، إذ جاء فيه أن "الإنسحاب تم بالتنسيق مع الرئيس بشار الأسد"، والأهم أن "بوتين أبلغ الأسد هاتفياً بقراره"، مما يعني أن الخطوة الروسية منسقة مع دمشق تماماً.
أكد الجانبان السوري والروسي في بيانات صادرة على أعلى المستويات في موسكو ودمشق على تعزيز التحالف الوثيق بين البلدين وعلى العمل المشترك لمحاربة الإرهاب ومواجهته، وأن روسيا تدعم وستدعم الجيش السوري بشكل عملي ومباشر لضرب الإرهاب والقضاء عليه.
أن القرار الروسي شدد على الإبقاء على القاعدتين الروسيتين البحرية في طرطوس، والجوية في حميميم، مع بقاء قوات الحماية الخاصة بهما، بما في ذلك الصواريخ الروسية الحديثة والمتطور جداً "S300" و"S400" لحماية الأجواء السورية، بالإضافة إلى وحدات الطيران الاستطلاعي التي تراقب وقف العمليات العسكرية، وهي ترتكز بشكل خاص على المناطق التي تتواجد فيها الجماعات المسلحة التي أعلنت موافقتها على الدخول في العملية السياسية، وفعلاً القت مجموعات عديدة منها السلاح وانخرطت في عمليات وآليات المصالحات الوطنية التي تقودها الدولة الوطنية السورية.
كان لافتاً إعلان رئيس الديبلوماسية الروسية سيرغي لافروف أنه يسجل تقدماً على جميع مسارات التسوية السورية، مشدداً على ضرورة القضاء على تنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية وتلك المدرجة على لائحة الإرهاب الدولية، من القاعدة واخواتها، بالتنسيق والتعاون والتكامل مع الجيش السوري.
وربما كانت هذه اللفتة برسم السعودية التي تنشر القاعدة وداعش وكل اشكال الإرهاب حيث لها نفوذ في أي مكان، كما هو حاصل الآن في جنوب اليمن، فتعبث القاعدة وداعش خراباً في عدن وحضرموت وشبوه وفي غيرها، وهنا ثمة حقيقة، قد تعلمها مملكة الرمال وعلى الأرجح لا تعلمها أن مقصلة الدم التي تدعمها في سورية والعراق واليمن، وتهدد بها اخواتها في مجلس التعاون الخليجي إذا خرجوا عن طوعها، هي أيضاً مطحنة للعظام، ومن هنا، بدأت الكثير من الأصوات سواء في الداخل السعودي من بعض الأمراء أو على مستوى الخليج أو على مستوى العالم تحذر الحاكم أو الحكام السعوديين من ضرب الرؤوس في الجدران السميكة، فالسعوديون بلغوا الذروة في تصعيدهم، وطبلوا وزمروا طويلاً لمناورتهم "الحربجية" التي اطلقوا عليها "رعد الشمال"، واستجلبوا من أجلها عشرين دولة، ودفعوا كامل مصاريف وإقامة ومناورة الجنود الذين قيل أن عددهم ناهز ال 150 ألفاً.
"رعد الشمال" نفذتها مملكة الذهب الأسود في "حفر الباطن" حيث القاعدة العسكرية الأميركية وعلى مرمى حجر من الحدود العراقية.
ماذا تريد الرياض؟ وإلى أين تندفع، وتدفع الأمور في المنطقة؟
بشكل عام، فإن الأهداف التي أعلن الرئيس الروسي أنها تحققت في سورية تتمثل في عدة اتجاهات واهداف أبرزها:
- ثبات تفوق الجيش السوري واسترداد، مساحات واسعة من الاراضي السورية التي كانت تحت سيطرة الإرهاب.
- حققت العمليات العسكرية الروسية والسورية ردعاً راسخاً للطوراني التركي، الذي بدأ يعاني من شر أعماله، بشكل جعل المراقبين العالميين يتساءلون ماذا بقي من رجب طيب أردوغان، الذي بات يتلقى على ظهره ضربات المطارق، التي قد تجعل الجيش التركي يوجه له في لحظة ما، الضربة الأخيرة، خصوصاً بعد الانتقاد العنيف الذي وجهه باراك اوباما له وللسعودي.
- في خلال التطورات السورية الأخيرة التي حملت نجاحات كبرى للجيش السورية، جددت موسكو الترسانة العسكرية السورية سواء عبر تجديد سلاح الطيران والصواريخ أو عبر تجديد الآليات والعمليات الميكانيكية كسلاح الدبابات والمدرعات والمدفعية وغيرها.
بأي حال، المبادرة الروسية، حسمت الكثير من الوقائع والتفاصيل ومفادها أن الحليف الروسي مستمر بدعمه المطلق لدمشق وللرئيس بشار الأسد وللجيش العربي السوري الذي يقود عمليات مواجهة الإرهاب بكل انواعه واصنافه، والعالم ببساطة مطالب بدعمه، إذا كان فعلاً جدياً في محاربة الإرهاب،.. وببساطة فالروسي الذي شن بعد 30 أيلول مع بدء غاراته على مواقع الإرهاب غارات بدءاً من القواعد العسكرية الجوية في روسيا، ووجه صواريخه من البحر الأسود بدقة متناهية، أصبح أكثر قدرة على توجيه الضربات اللازمة والضرورية ساعة تنطلب الحاجة إلى ذلك... واليد الروسية ما تزال على الزناد... حسب تعبير ديبلوماسي روسي مرموق.