يخطئ من يظن أن هناك رغبة عند أي فريق أو دولة بالمضي في الحرب الإقليمية. بعد خمس سنوات تعبت القوى. آن أوان ارتياحها من القتال. هي تريد تجميع الأشلاء الإقليمية لصد توسع تنظيم "داعش" و"​جبهة النصرة​" وكل متفرعات "القاعدة" بمواكبة دولية ستظهر في ليبيا بشكل أساسي. ومن هنا بدا ان "الدواعش" يتسللون من سوريا و​العراق​ الى ليبيا.

انتهت الحرب وهدأت جبهاتها التقليدية التي تكونت في السنوات الخمس الماضية. ​الهدنة​ السورية تؤكد ذلك، قبل ان تعلن موسكو قرار الانسحاب من سوريا. لا يمكن الارتكاز الى خرق او معركة محدودة للقول ان الحرب مستمرة. انتهاء الحرب يعني أن عناوينها طُويت، وجبهاتها الاساسية هدأت، ويجري البحث سياسياً عن سُبل الخروج من الازمة.

لا النظام السوري سقط كما خطط معارضوه. ولا هو قضى على كل المسلحين المناهضين له كما أراد منذ عام 2011. دخلت لحظة بدء الازمة عناصر خارجية على اللعبة السورية لدعم الفريقين، وما ان زاد الضغط الإقليمي الى حدود تهديد دمشق، حتى دخل الروس بثقلهم العسكري لتثبيت تماسك الدولة السورية. هذا ما حصل من دون اي اعتراض أميركي فعلي، لان الولايات المتحدة الاميركية كادت تصل الى مرحلة يرث فيها تنظيم "داعش" كل الفصائل المسلحة الاخرى في سوريا. هذا ما كانت تخشاه واشنطن. فلو حصل التمدد الداعشي نحو دمشق وباقي المساحة السورية، لكانت فصائل المسلحين المعارضين ستتدرج هروباً او تتسابق لمبايعة "ابي بكر البغدادي".

عندها دخل الروس الى سوريا عسكرياً وانهوا امكانية تقدم المسلحين، أمنوا للدولة السورية نصراً نسبياً ظهر من ريف حمص الى أرياف حلب واللاذقية ودمشق. الأهم أن الجيش السوري لم يعد يعرف التراجع منذ ذلك الوقت. تلك كانت غاية موسكو.

اما وقد حقق الروس اهدافهم وفرض النظام السوري نفسه كقوة رئيسية لا يمكن تجاوزها في أي حل سياسي مطروح، جاء قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب القوات الاساسية من سوريا.

اهم ما حققته موسكو هو ضرب طموحات المسلحين الساعين لتحقيق انتصار على الجيش السوري، وفرض مشروع التسوية، كما يوحي بذلك تمدد المصالحات على الاراضي السورية.

ثبّت الروس معادلة الميدان بالأرجحية الواضحة لصالح النظام في سوريا، وضربوا البنية العسكرية لتركيا، تحديدا في ريف اللاذقية عبر تجريد انقره من سلاح الايغوريين والتركمان، الى ان جاءت معادلة الكُرد في طرح الحكم الذاتي او الفدرالية في شمال سوريا.

حجم الضربة التي تلقاها الاتراك جعلتهم يركضون نحو طهران: مستعدون للتفاوض حول النظام السوري، لكننا نرفض وجود كيان كردي على حدودنا. ايران لها مصلحة برفض الكيان، وكذلك الولايات المتحدة الاميركية التي لن تزعج دولة اطلسيّة حليفة لها كرمى لعيون الكُرد.

هنا تتلاقى المصالح بعد النزاع الطويل: تركيا باتت تفضل النظام السوري نسبياً بالمقارنة مع طموحات الكرد، ايران توافق تركيا، والولايات المتحدة الاميركية في نفس الخانة. أيضاً الروس يستعملون العنوان الكردي لترهيب انقره، فسلّحوا وحدات حماية الشعب وفتحوا مكتبا للكُرد السوريين في موسكو.

جميع تلك القوى تريد الان انهاء الحرب وفرض التفاوض على النظام لإشراك المعارضة بالحكم السوري. لم تعد تركيا تريد مزيدا من الإرباك، ولا ايران ترغب بإنخراط اكبر في المستنقع السوري، ولا مصلحة للأميركيين بإنفلات اكبر هنا.

ما هو مرتقب الان وقف تركيا و​الأردن​ وال​دول الخليج​ية مدّ المسلحين بالعتاد والمقاتلين والأموال، تحت طائلة عودة القوات الروسية في مشوار لا يحتاج زمنياً الى اكثر من ثلاث ساعات.

التفاوض سيمضي الى الامام على مساحة زمنية تبلغ سنة ونصف السنة للوصول الى محطات الانتخابات السورية وتعديل الدستور.

مساحات التفاهم تتمدد الى اليمن تدريجياً لإنهاء الحرب هناك ضمن اتفاق بدأت تتوضح معالمه ونتائجه في اجتماعات الحوثيين والسعوديين بدفع أميركي- ​إيران​ي، قبل لقاء روسي رئاسي-سعودي ملكي نهاية الشهر الجاري في موسكو، سيجر معه اتفاقات ستؤدي اولاً الى رفع اسعار النفط، قبل تظهير خارطة طريق مشتركة لقضايا إقليمية.

انه زمن التسويات، وكما كنا ذكرنا في مقال سابق منذ ايام قبل ان تستجد مؤشرات اليمن وقرار موسكو ان الثلاثي الإقليمي تعب من الأزمات ويبحث عن الحلول التسووية، نكرر التأكيد على ذلك مع اضافة المواكبة القائمة من قبل الروس والأميركيين والأوروبيين المذعورين من تمدد الارهاب.