يرابض عناصر "حزب الله" ومنذ انطلاق ​الهدنة​ في سوريا نهاية الشهر الماضي على جبهاتهم وهم يترقبون التطورات المتسارعة على مسار الحل السياسي. ظنوا في الايام الأولى لعملية وقف اطلاق النار أنّها قد تنهار في أيّ لحظة ويعودون الى ساحات المعارك لاستكمال حرب قرروا خوضها قبل نحو 4 سنوات. الا ان مرور الأيام ثبّتها الى حدّ ما، كما أن انطلاق ​مفاوضات جنيف​ واستمرارها حتى الساعة رغم كل التحديات التي تواجه أطراف الصراع والأمم المتحدة التي ترعى المباحثات، جعل الحزب يدرك ان هذه الهدنة لا تشبه اي عملية وقف اطلاق نار سبقتها تماما كما الحوارات الناشطة في سويسرا.

وجاء اعلان موسكو سحب قسم كبير من قواتها وقطعها العسكرية من الأراضي والمياه السورية، والذي كان له وقع كبير على النظام السوري وكل حلفائه ومن بينهم "حزب الله" ليؤكّد لكل المعنيين بالأزمة السورية ان قطار التسوية السياسية انطلق وهو سيدهس كل من يقف في طريقه.

واذا كان "حزب الله" قد تردد بعد ساعات من اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراره المفاجئ، في التعليق على الموضوع، الا انّه ومع مرور الوقت استوعب التطور الحاصل وتمكّن من قراءة قسم كبير من أبعاده وخلفياته. "هو وبما لا يقبل الشك اعلان عن انتهاء الحرب السورية. وما نشهده اليوم عملية خلع الفرقاء السوريين لبزاتهم العسكرية وارتدائهم للبزّات الرسمية وربطات العنق لمواكبة مسار التسوية السياسية"، هكذا تختصر مصادر مطلعة على أجواء "حزب الله" المشهد العام، نافيةً نفياً قاطعاً كلّ المعلومات التي تردّدت عن اتجاه عناصر الحزب لحذو الحذو الروسي والتحضير للانسحاب الجزئي من سوريا، سائلة: "كيف نترك الجبهات في موعد الحصاد؟ ومن يضمن عدم انهيار العملية السياسية عند اي مفترق طرق مقبل؟"

لا شك ان المرحلة بالنسبة للحزب أشبه حاليا بفترة "استراحة المحارب". بعضهم يرتاح على جبهاته وقسم آخر وكبير توجه للاستراحة في لبنان، على ان يعود خلال ايام. وفيما تحدثت معلومات عن اعادة تموضع لعناصر الحزب دخل سوريا، أكّد مقاتلو المعارضة السورية غياب أي مؤشرات لعملية انسحاب مرتقبة لهؤلاء، وتحدثوا عن استمرار عمليات المرابضة بانتظار ما سيرشح من جنيف.

ولا يثير اعلان الأكراد الفيدرالية في الشمال السوري مخاوف الحزب من فرض عملية تقسيم، مشددين على انّه لو كان النظام وحلفاؤه يقبلون بالتقسيم لما قاتلوا لخمس سنوات متتالية ولما كانت موسكو دخلت لمساندتهم. وفي هذا السياق، تؤكد المصادر ان "سوريا ستبقى جغرافيا موحدة وكما هي، أما سياسيًّا فسيكون هناك حكومة وحدة وطنية على ان تشهد البلاد تقسيما اداريا جديدا يعتمد اللامركزية الموسعة فيتم اعتماد ما هو أكبر من الكانتونات وما دون المحافظات"، متحدثة عن اتفاق سوري–ايراني–روسي–أميركي حول هذه الرؤية.

وتعتبر المصادر ان سير الأكراد، المدعومين أميركيًا وروسيًا ب​الفدرالية​، ليس الاّ في سبيل "هز العصا للفرقاء المتحاورين في جنيف للتخفيف من الدلع"، مطمئنة الى أنّه لن يكون هناك دولة لهم أو لغيرهم داخل سوريا.

بالمحصلة، قد تكون هذه المرحلة الأكثر دقّة وحساسية بالنسبة لـ"حزب الله" منذ دخوله الميدان السوري، فاذا كان لا يخطط للانسحاب قريبًا فهو لا شكّ يستعدّ للخروج في مرحلة قد لا تكون بعيدة جدًا، خصوصًا بعدما بات محاصَرًا من قبل أكثر من طرف اقتصاديًا وسياسيًا بهدف استنزافه، وكونه كما كلّ أطراف الصراع سيضطر للسير في العملية السياسية التي اتفق الروس والأميركيون على عناوينها العريضة، والتي كرست انطلاقتها الهدنة المستمرة منذ 21 يومًا لا شك ليس بالصدفة!