على هامش السجال الدائر علناً وفي المجالس السياسية وفي الأوساط الشعبية حول الحضور النيابي أو عدمه لجلسات انتخابات رئاسة الجمهورية التي لا يكتمل نصابها، تدور أحاديث وتساؤلات حول مدى دستورية امتناع هذا النائب أو هذه الكتلة النيابية أو تلك عن حضور هذه الجلسات الانتخابية والعامة، وكذلك حول مدى دستورية نيابة النواب الذين يتغيّبون عن الحضور لأشهر وسنوات، سواءٌ أكانوا مقيمين في الداخل أو الخارج.
يرى فريق من السياسيين أنّ هناك مسائل تجاهلها الدستور اللبناني وكان ينبغي ان يأخذها في الاعتبار، ومنها موضوع غياب النائب طويلاً عن جلسات مجلس النواب من دون ان تترتّب عليه ايّ مسؤوليات أو تُتَّخذ في حقه إجراءات، فيما يتقاضى راتبه الشهري من خزينة الدولة بلا أي عمل يقوم به.
ويقول مرجع سياسي إنّ امتناع هذا النائب او هذه الكتلة او تلك عن حضور جلسات انتخاب رئيس الجمهورية لا ينطبق عليه اتّهام هذا الفريق لذاك بتعطيل هذا الانتخاب، لأنّ الغياب هو موقف سياسي او انتخابي وحقّ ديموقراطي لأي نائب، ويندرج في إطار اللعبة الانتخابية الديموقراطية والمنافسة بين المرشحين، إذ يحقّ لأيّ مرشح ومؤيديه من نواب وكتل ان لا يحضروا لتأمين نصاب الجلسة ما لم يضمنوا أنها تنتهي بانتخاب مرشحهم، وأنّها ستؤدي الى فوز المرشح الخصم، فهذا الامر مشروع في اللعبة الانتخابية الديموقراطية ولا يعدّ تعطيلا،
وكذلك لا يمكن اتهام الفريق الذي يتّخذ هذا الموقف بتعطيل الاستحقاق الرئاسي، بل على العكس، إنّ مثل هذه المواقف ينبغي ان تحضّ الافرقاء المتنافسين رئاسياً على التحاور في ما بينهم توصّلاً الى اتفاق على انتخاب رئيس، وهو أمرٌ يدرك الجميع انّه سيحصل في النهاية، لأن أحداً لا يمكنه القبول ببقاء البلاد بلا رئيس الى أمد طويل بعد كلّ ما شهده الاستحقاق.
ويفرّق هذا المرجع بين موضوع حضور الجلسات الانتخابية الرئاسية التي يدعى اليها مجلس النواب أو عدمه، وبين حضور النائب الى المجلس وممارسة مهماته التشريعية من خلال عضويته في اللجان النيابية وحضور الجلسات العامة، فهو له الحق في حضور الجلسات الانتخابية من عدمه، ولكن لا يحق له ان يغيب عن عمله التشريعي، سواءٌ في الجلسات العامة او في جلسات اللجان النيابية التي عادةً ما يكون عضواً في بعضها، فضلاً عن انّ النظام الداخلي للمجلس يمنحه حقّ المشاركة في اجتماعات لجان ليس عضواً فيها ايضاً.
ويقول هذا المرجع أن ليس في الدستور أيّ إشارة الى ايّ تدبير يمكن اتخاذه في حق النائب الذي يَغيب عن عمله التشريعي، كأن تنزع الصفة النيابية عنه مثلاً، فالدستور لحَظ موضوع رفع الحصانة عن النائب الذي يَرتكب جرماً ما، وكذلك النظام الداخلي للمجلس لم يلحَظ ايّ تدبير في حق النائب المتغيّب.
ففي الفصل الخامس من هذا النظام والمتعلق باستقالة النائب وردَت المواد الآتية:
- المادة 16: للنائب أن يستقيل من النيابة بكتاب خطي صريح يقدم إلى رئيس المجلس، فإن وردت الإستقالة مقيّدة بشرط تعتبر لاغية.
- المادة 17: على الرئيس أن يعلم المجلس بالاستقالة بأن يتلو كتاب الإستقالة في أول جلسة علنية تلي تقديمها وتعتبر الإستقالة نهائية فور أخذ المجلس علماً بها.
- المادة 18: للنائب المستقيل أن يرجع عن استقالته بكتاب خطي يقدم إلى رئيس المجلس قبل أخذ المجلس علماً بها وتعتبر الإستقالة كأنها لم تكن.
وفي الفصل العاشر من النظام نفسه المتعلق بحضور الجلسات والتغيّب وردت المواد الآتية:
- المادة 61: لا يجوز للنائب التغيّب عن أكثر من جلستين في أي دورة من دورات المجلس العادية والاستثنائية إلّا بعذر مشروع مسبَق يسجل في قلم المجلس.
- المادة 62: في حال اضطرار النائب للتغيب بغير مهمّة رسمية وبصورة مستمرة عن اكثر من جلسة واحدة عليه أن يقدّم طلباً إلى قلم المجلس يبيّن فيه أسباب التغيّب ويعرض هذا الطلب على المجلس لأخذ العلم في أول جلسة يعقدها.
- المادة 63: عندما لا يتمّ عَقد جلسة بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني يضع مدير شؤون الجلسات جدولاً بأسماء النواب المتغيبين بدون إذن أو عذر.
وتدرَج أسماء المتغيبين في محضر الجلسة التالية». ولذلك يرى المرجع وجوب إجراء تعديلات دستورية لإضافة مواد تضبط الحضور النيابي لمصلحة انتظام العمل التشريعي اكثر فأكثر في المجلس.
وربّما مطلوب ايضاً تعديلات تطاول مؤسسات دستورية أخرى في الدولة، ومنها مجلس الوزراء الذي عارض كثيرون في حقبة التسعينات من القرن الماضي وفي مطالع القرن الحالي إقرار نظام داخلي للمجلس بقانون، وبعد سجال وجدال طويلين أقرّ هذا النظام بمرسوم لم يُسمِن ولم يغنِ من جوع، بحيث إنه لم يطبّق يوماً، بدليل انّ منصب نائب رئيس الحكومة الذي هو نائب رئيس مجلس الوزراء تعوزُه الصلاحيات، فلم يخصّص له مكتب في القصر الحكومي الى جانب مكتب رئيس مجلس الوزراء، ولم يفسح له المجال لممارسة صلاحيات واضحة مدسترة، فلم يؤتَ على ذكره في المادة 64 التي تحدّد صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، ولا في المادة 65 التي تحدّد صلاحيات مجلس الوزراء.
وفي انتظار ان يُنتخب رئيس الجمهورية ويعود الانتظام الى عمل المؤسسات الدستورية فإنّ فريقاً من السياسيين يتوقّع فتح ورشة تعديلات قانونية ودستورية من رأس الهرم حتى أسفله بحيث تعالج الثغرات في النصوص التي كشفَتها الممارسة منذ التعديلات الدستورية التي أقرّت بموجب «وثيقة الوفاق الوطني» المعروفة بـ«إتفاق الطائف».
من مستوى بعض صلاحيات رئيس الجمهورية الى صلاحيات مجلسي النواب والوزراء وأعضاء الحكومة والنواب وغيرهم. فضلاً عن استكمال تنفيذ البنود الدستورية المنبثقة من «الطائف».