عادت العلاقات بين الحكومة التركية والجماعات الإرهابية، العاملة في سوريا والعراق، إلى الواجهة من جديد، لا سيما مع إرتفاع وتيرة الهجمات التي تستهدف أنقرة على نحو غير مسبوق، من دون أن تتضح كافة معالمها حتى الآن، حيث لا تزال علامات الإستفهام توضع حول هذا الملف المهم.
منذ بداية الأحداث السورية، وصعود نجم الجماعات المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما تنظيم "داعش"، وجهت الإتهامات إلى حكومة حزب "العدالة والتنمية"، الحاكم في تركيا، من قبل جهات عالمية ودولية، تتضمن الحديث عن تسهيل إنتقال المقاتلين الأجانب إليه، بالإضافة إلى تزويده بالإمدادات العسكرية والمالية، ولم تنته عند تجارة النفط معه بطرق غير شرعية، من خلال العصابات المنتشرة على الحدود السورية التركية.
في هذا السياق، تنطلق مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، من عدم تبني "داعش" أي من الهجمات الإرهابية التي وقعت داخل الأراضي التركية، للتحدث عن تاريخ غامض من الأحداث بين الجانبين، وتشير إلى أنه حتى الساعة لم تتضح تفاصيل عملية إطلاق الدبلوماسيين الأتراك، الذين تم إعتقالهم بعد إجتياح التنظيم مدينة الموصل العراقية، ولا كيفية دخول قوة عسكرية تركية إلى قلب المناطق التي يسيطر عليها من أجل نقل ضريح جد مؤسس السلطنة العثمانية سليمان شاه، وتذكر بأن "داعش" لم يقدم في أي مرحلة على عملية تبادل أسرى مع أي جهة رسمية أو غير رسمية، كما أنه يرفض التعامل مع سلطة إقليمية أو دولية، حيث يعمد إلى وصف كل الأنظمة بـ"الطواغيت"، التي من الواجب محاربتها وإسقاطها.
في سجل التنظيم الإجرامي الكبير، يسجل تهديدان رسميان وجها إلى أنقرة، الأول على لسان زعيمه أبو بكر البغدادي بعد إعلان "الخلافة"، حيث دعا رجب طيب أردوغان، عندما كان رئيساً لحكومة بلاده، إلى "مبايعته" قبل فوات الأوان، قائلاً: "لا يوجد أشهى من لحوم الأتراك"، ومعلناً أن "داعش" أخذ قرار هدم ضريح سليمان شاه، الأمر الذي لم ينفذ، أما الثاني فكان على شكل إصدار بعنوان: "رسالة إلى تركيا"، يتحدث فيه رجل باللغة التركية، ويدعو إلى "الثورة" على الرئيس التركي، بعد إتهامه بـ"الخيانة" وترك البلاد إلى "الصليبيين" و"الملحدين" من الأكراد.
على صعيد متصل، تدعو المصادر نفسها إلى المقارنة بين الهجمات التي تعرضت لها، حيث تلفت إلى تسجيل نحو 8 عمليات إرهابية، منذ بداية الأحداث السورية، أولها كان في 11 شباط 2013، وتلفت إلى وقوع 4 في العام الحالي، وتوضح أن من خصائص الهجمات التي وقعت مؤخراً إستهداف العاصمتين الرسمية والتجارية، أي أنقرة وإسطنبول، الأمر الذي يترك تداعيات كبيرة على الإقتصاد، لا سيما على القطاع السياحي، خصوصاً بعد سقوط ضحايا من السواح، في حين كانت البدايات عبر مهاجمة تجمعات أو مدن كردية تقع بالقرب من الحدود السورية، وهي وضعت في سياق الضغط عليهم من أجل التراجع عن مواقفهم من حزب "العدالة والتنمية".
في هذا الإطار، تسأل هذه المصادر عن الأسباب التي تحول دون تبني "داعش" الهجمات التي يقوم بها في الداخل التركي، على غير عادته، بالرغم من توجيه المسؤولين الأتراك الإتهامات له بالمسؤولية عن أغلبها، مع العلم أن التنظيم الإرهابي الأشهر على مستوى العالم "يفاخر" دائماً بالعمليات التي يقوم بها من دون أي تردد، فما الذي يمنعه في هذه الحالة من القيام بالأمر نفسه؟
من وجهة نظر المصادر نفسها، لا يمكن إعطاء جواب حاسم حول هذا الموضوع، خصوصاً أن لدى أنقرة العديد من الأزمات، الداخلية والخارجية، ذات الطابع الأمني، أبرزها الخلاف التاريخي مع حزب "العمال" الكردستاني، حيث تشهد أغلب المدن الكردية حرباً حقيقية بين قوات الأمن وعناصر الحزب، بالإضافة إلى توتر العلاقة مع الحكومة الروسية نتيجة حادثة إسقاط الطائرة، لكن أجهزة المخابرات الداخلية قد لا تكون هي نفسها بعيدة عن هذه الأعمال، من أجل الإستفادة منها على الصعيدين المحلي والدولي، من خلال الضغط على المعارضة عبر إستخدام الورقة الأمنية، لا سيما أنها ترفض طموحات أردوغان في تبديل النظام السياسي، وتبرئة الحكومة من الإتهامات الخارجية بدعم الجماعات الإرهابية، لا بل تقديم نفسها "متضررة" بحاجة إلى تأمين مختلف أشكال الدعم.
بالأمس، توعد الرئيس التركي بالتحرك ضد الأكراد و"داعش"، بعد الهجمات الأخيرة، داعياً مواطنيه إلى رص الصفوف في مواجهة التحديات، في مؤشر إلى أن الأوضاع في بلاده ستتوتر أكثر في المرحلة المقبلة، لكن الأكيد أن العلاقة مع "داعش" ستبقى هي "اللغز" الذي لن يكشف.