بـ "لا مبالاته" المعروفة، وبثقته المشهود عليها من المقربين منه والبعيدين، دخل نعيم اسماعيل محمود المعروف بنعيم عباس قوس المحكمة العسكرية للمرافعة في قضية أحداث عبرا. موزعاً ابتساماته على كل الناظرين إليه، وقف أمام رئيس المحكمة العسكرية العميد خليل ابراهيم، متكلماً بكل طلاقة ومطالباً ببراءة جميع المتهمين الموجودين في القفص الحديدي للمحكمة.
وكانت مرافعة اليوم قد بدأت قرابة الساعة 11:20 واستمرت لمدة ساعة تقريباً، ترافع فيها خمسة متهمين فقط بعد غياب موكلي عدة متهمين. وكان العميد ابراهيم ينوي تأجيل مرافعة اليوم لغياب المحامين، لافتاً إلى "اننا نحرم أنفسنا الراحة لتعجيل الجلسات وأكثر من مرة كررنا طلبنا من المحامين بعدم التغيب"، مشددا على وجوب احترام هيئة المحكمة. وبعد نقاش بين العميد ابراهيم والمحامين وممثل النيابة العامة القاضي هاني الحجار، قرر رئيس المحكمة العسكرية استكمال هذه المرافعة في ظل غياب المحامين، "ولكن للمرة الأخيرة".
"أراد مقاتلة سرايا المقاومة"
أول المتهمين كان المدعو محمد مصطفى حبيش، الذي أكد عند بداية المرافعة أنّه "بريء من تهمة حمل السلاح ضد الجيش اللبناني"، موضحاً أنّه شارك فقط في إشكال ضدّ سرايا المقاومة، وقال: "مخابرات الجيش حضرت إلى منزلي وطلبوا مني أن أحضر للتحقيق في اليوم التالي، ولو كنت فعلاً متهماً أو قاتلت الجيش لهربت ولم أكن لأسلم نفسي". وبعدها تسلم محاميه المرافعة، الذي شدد على أنه يجب معرفة المجموعة التي قاتلت الجيش، متسائلاً: "لماذا يحاكم هؤلاء؟ ألأنهم رفضوا سلاح حزب الله وسرايا المقاومة؟ أم لأنهم كانوا يصلّون في مسجد بلال بن رباح؟" وإذ لفت المحامي إلى أن "معظم الموقوفين انتموا لأحمد الأسير لأهداف دينية لا إرهابية"، أكد أن موكله لم يرد مقاتلة الجيش، "بل أراد الدفاع عن مسجد بلال بن رباح بعد أن ظن بأن سرايا المقاومة قد هجمت ولكن عندما عرف أن المعركة مع الجيش سلم سلاحه". وطالب المحامي بـ "إهمال التحقيقات الأولية لعدم قانونيتها وابطال جميع التعقبات لعدم توافر الأحكام الجرمية".
وعندما جاء دور المتهم الثاني درويش محمد الرز، وبعد أن أعطاه العميد ابراهيم حق الكلام، حاول محاميه عدم السماح له بالكلام بحركة بيده، فقال القاضي الحجار، "لو قمنا نحن بهذه الحركة لكانت الدنيا قامت ولم تقعد"، وقال ابراهيم: "لا يحق لك اسكات موكلك فأنا اعطيته الكلام ومن حقه أن يتكلم"، فاعتذر المحامي. ومن ثم أكد الرز أنّ لا علاقة له بأي شيء بأحداث عبرا، نافياً أن يكون قد حمل السلاح.
فجاء دور المحامي للمرافعة، فأكد أن موكّله لم يكن في منطقة تعمير عين الحلوة أثناء الاشتباكات، وهو متهم أنه شكل مجموعة في التعمير لمهاجمة حواجز الجيش، وقال: "لو صدقت اعترافات المتهم الآخر درويش مصطفى الرز بأن موكلي كان متواجداً في التعمير وحمل السلاح، فالقانون لا يأخذ بهذه الأقاويل لأن درويش مصطفى الرز متهم في نفس القضية"، وأضاف قائلا: "بسبب قناعتنا بعدالة المحكمة، نطالب ببراءة الموكل من التهم المنسوبة إليه لعدم وجود أدلة عليها واعطائه أوسع الأسباب التخفيفية والاكتفاء بمدة احتجازه".
وثالث المرافعات كانت للمدعو محمد سعد الدين الحريري، الذي أكد محاميه أن "الحريري كان يشارك في الدروس الدينية للارهابي أحمد الأسير وقبل معارك عبرا بيوم أنهى دراسته الجامعية التي استمرت خمس سنوات باختصاص الصيدلة"، وقال: "بعد اطلاعي على برامج السنة الخامسة في الصيدلة من جامعته يتبين أنه لا مجال لأي طالب أن يقوم بأي نشاط آخر غير الدراسة"، ومشددا على أن لا علاقة لموكله لا بالشق الطبي لمجموعات أحمد الأسير ولا باسعاف المصابين، "بل هو أسعف 12 حالة في ملجأ فيه أطفال ونساء". وطالب أيضا بـ "ابطال التحقيقات الأولية وابطال التعقبات بحق موكله".
عباس لم يشارك بمعارك عبرا؟!
رابع المرافعات كانت لنعيم عباس. وما إن نادى العميد ابراهيم باسمه، حتى توجهت جميع الانظار إلى المقاعد الخلفية لقاعة المحكمة حيث يجلس عباس معزولاً عن باقي المتهمين. وقف عباس وتوجه نحو قوس المحكمة بكل ثقة وموزعاً نظراته على جميع الحاضرين ومحيياً المتهمين في القفص الحديدي. فأعطاه ابراهيم الكلام فقال، وبلكنته الفلسطينية، "خلال استجوابي، سألني أحد المحامين ان كنت اعرف أحداً من سرايا المقاومة قد قاتل إلى جانب الجيش اللبناني في معارك عبرا، فأنا أقول الآن نعم، أعرف شخصين ممن شاركوا مع الجيش وهما شخص من آل عثمان قد قتل وآخر قد أصيب في المعارك ويدعى أسامة الخالدي ملقب بـ "سوما"، والاثنان ينتميان إلى سرايا المقاومة وهذا دليل على أن سرايا المقاومة كانت موجودة في المعارك"، فقاطعه ابراهيم قائلا "لا علاقة لهذه الأمور بمرافعتك"، فأجابه عباس: "أنت على يقين بأنني لم أشارك بمعارك عبرا ولا علاقة لي بها".
فتسلمت محاميته فاديا شديد المرافعة، فأوضحت أن لموكّلها أكثر من 12 ملف أمام المحكمة العسكرية وتعددت التهم المنسوبة إليه من إطلاق صواريخ إلى تشكيل خلايا ارهابية الى استهداف الجيش، ووجهت اليه الكثير من التهم، "إلا أنه أثناء الاشتباكات بين مجموعات الأسير وسرايا المقاومة كان في سوريا وفي اشتباكات الجيش مع الأسير كان في عين الحلوة مع توفيق طه"، لافتة إلى أنّ "أياً من المتهمين لم يذكر اسم عباس في اعترافاته"، ومشيرة إلى أن "تداخل الملفات المتهم بها ادى إلى دخول اسمه في ملف عبرا". وطالبت شديد بـ"كف التعقبات عن عباس لعدم وجود الدلائل الجرمية والبراءة للشك بعدم وجود الدليل".
وعندما انتهت شديد من مرافعتها، سأل ابراهيم عباس عن طلباته للمحكمة، ومن المتعارف عليه أن يطلب المتهم البراءة والعدالة والرحمة، إلا أن جواب عباس، وكعادته، كان مختلفاً عن الجميع، فطالب بـ"براءة هؤلاء الناس"، مشيراً بإصبعه للمتهمين داخل قفص الاتهام، فقال له ابراهيم: "الطلب لك انت وليس لهؤلاء"، فأجابه عباس: "ليس لدي طلبات لي بل أريد فقط البراءة لهؤلاء". ومن ثم عاد إلى مكان جلوسه في المقاعد الخلفية.
وآخر المتهمين كان زاهر البيلاني، فلفت محاميه أن "جريمته الوحيدة أنه كان يعمل سائقاً لدى عائلة فضل شاكر ولم يصلّ مع أحمد الأسير ولا مرة ولم يشارك في أحداث عبرا"، مطالباً بإهمال التحقيقات الأولية خاصة أن لا دليل عليها وابطال التعقبات بحقه ومنحه أوسع الأسباب التخفيفية والاكتفاء بمدة احتجازه.
هكذا تكون انتهت المرافعة الثانية في ملف عبرا، والتي كان نعيم عباس عنوانها الأبرز. وتستكمل المرافعات نهار الثلاثاء المقبل في 29 آذار على أن تصدر جميع الأحكام بعد انتهاء المرافعات.