على الرغم من أهمية الرسائل التي أطلقها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، في حديثه التلفزيوني الأخير، لناحية توازن الردع والمعركة مع الإسرائيلي، في ظل المعلومات عن التحضير لعدوان يستهدف الأراضي اللبنانية، بعد المواقف التي صدرت عن بعض الدول العربية، لناحية إدانة الحزب وتصنيفه "إرهابياً"، لم تخل المواقف من الملفات الداخلية من بعض الإشارات اللافتة.
أبرز هذه الإشارات، كانت التأكيد على أن دعم رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون، في المعركة الرئاسية، لا يعني رفض أي مرشح آخر، بالإضافة إلى التشديد على عدم وجود ما يمنع اللقاء مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في حال تقدم الحوار الثنائي مع تيار "المستقبل"، لكن الأهم الإشارة إلى محاولات "القوات اللبنانية" إحداث شرح بين الحزب والتيار "الوطني الحر".
الملف الرئاسي على حاله
ليس هناك من مؤشرات جدية على قرب الإنتهاء من الفراغ الرئاسي، بالرغم من كل المواقف التي يعبر عنها بعض الأقطاب الفاعلين، حيث لا يرى الكاتب الصحافي علي الأمين، في حديث لـ"النشرة"، أن هناك أي تحول في موقف الحزب، فهو لا يزال عند النقطة نفسها، أي عدم الإستعجال في الحسم، بالرغم من أن البعض توقع أن يكون هناك موقف جديد، خصوصاً بعد كلام رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وما نُقل عن رسالة وجهت إلى التيار "الوطني الحر"، عبر مسؤول وحدة التنسيق والإرتباط وفيق صفا.
بالنسبة إلى الأمين، "حزب الله" يريد أن تبقى الأمور معلقة من دون أخذ مواقف حاسمة، أي ترك كل الخيارات مفتوحة، فهو يتبنى العماد عون لكن لا يرفض رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية، وبالتالي الأسباب نفسها التي منعت إنتخاب رئيس في السابق لا تزال قائمة، وهي مرتبطة بالمشهد الذي ستكون عليه سوريا في المستقبل، نظراً إلى أن غياب الرئيس يخفف الإحراج، ويضيف: "حتى ولو كان رئيس الجمهورية منتمياً إلى الحزب، كان سيربك سلوكه في تجاوز الحدود والقتال بالخارج، فهو لن يكون قادراً على إتخاذ مواقف إلا عبر موقعه كرئيس دولة".
من جانبه، يرى المحلل السياسي سركيس أبو زيد، عبر "النشرة"، أن الموقف من الإستحقاق الرئاسي ثابت لكن يختلف التعبير من مناسبة إلى أخرى، حيث هناك إلتزام أخلاقي ومبدئي مع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح"، من دون أن يعني ذلك عدم إحترام أي مرشح آخر، لا سيما النائب فرنجية، الذي قال عنه السيد نصرالله في السابق "نور عيني"، ويشير إلى أن رئيس تيار "المردة" من المحيط الخاص الذي يرتاح له الحزب.
ويتوقع أبو زيد أن يستمر الوضع على ما هو عليه إلى مرحلة معينة، لا سيما أن الملفات الإقليمية لم تحسم بعد، خصوصاً في الملف السوري، وبالتالي لبنان هو في مرحلة الإنتظار، إلا أنه لا يرى أن هناك مبرراً لذلك طالما أن العجلة في المحيط إنطلقت، ويعرب عن مخاوفه من محاولات بعض القوى التخريبية الإستفادة من هذا الواقع عبر تنفيذها عمليات أمنية، ويضيف: "تستطيع القوى المحلية إيجاد الحلول، وليس علينا إنتظار ما يحصل في الخارج، مع العلم أن أي تطورات دراماتيكية سيكون لها تداعيات كبيرة".
حوار منع الإنهيار
على صعيد متصل، كانت لافتة الرسائل إلى تيار "المستقبل" و"القوات اللبنانية"، أي دعم الحوار مع الأول، مع الإستمرار في المواقف نفسها من الثاني، لا بل توجيه الإتهامات له بالسعي إلى توتير العلاقة مع "الوطني الحر".
من وجهة نظر الأمين، الموقف من الحريري يأتي ضمن المنهجية نفسها التي يعتمدها الحزب، أي أنه يريد بقاء الوضع اللبناني على ما هو عليه، سواء لناحية منع الذهاب إلى الإنهيار الشامل أو عدم إكتمال دورة المؤسسات، وبالتالي ليس هناك من رغبة في المواجهة الداخلية، مع العلم أنه لا يسلف خصومه أي شيء.
أما أبو زيد، فيعتبر أن الأمر جزء سياسة الحزب، ويلفت إلى أن هناك حواراً ثنائياً مع "المستقبل"، حيث يحصل تقدم في بعض الأحيان، وبالتالي السيد نصرالله يقول أن لا مانع من حصول اللقاء في حال كان هناك من داع، ويؤكد أن هذا شعور متبادل من الحريري أيضاً، بالرغم من تأكيده بأن الصعوبات على هذا الصعيد إقليمية.
بالنسبة إلى الإتهامات الموجهة إلى "القوات اللبنانية"، يعتبر الأمين أن خطوة اللقاء بين جعجع وعون خلقت حالة إحراج لدى "حزب الله"، من خلال تأمين شروط أفضل لدى "الجنرال"، وبالتالي من حق "الحكيم" توجيه الإنتقادات إلى الحزب، خصوصاً أنه لا يعطي أي إشارة حاسمة بأنه مهتم بإنجاز الإستحقاق، بالرغم من أنه صاحب القرار ولديه القدرة على التعطيل أو الحل، ويدعو إلى الرد على ما يُقال بطريقة عملية، عبر تسهيل الإنتخابات الرئاسية من خلال المشاركة في جلسات الإنتخاب.
في المقابل، يرى أبو زيد أن تأكيد السيد نصرالله الموقف من الإنتخابات الرئاسية هو رد غير مباشر على كلام جعجع، عبر التشديد على أن عون هو الأولوية، لا سيما أن التحالف بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" صادق، وهناك إتفاق على الأمور الأساسية، وهو حكماً أكبر من التفاهم القائم بين عون وجعجع.
في المحصلة، ليس هناك من تطور جديد على الصعيد المحلي، بالرغم من كل التحذيرات والتحولات التي تحصل، ولهذه الأسباب لم يدل السيد نصرالله بجديد في هذا المجال، حيث كان التركيز على معادلات الصراع مع الإسرائيلي.