خضعت زيارة الأمين للأمم المتحدة بان كي مون الأسبوع الفائت إلى بيروت وما تزال إلى الكثير من التحليلات والتفسيرات والاجتهادات، خصوصاً وأنها جاءت في ظل ارتفاع منسوب الهواجس من وجود توجه دولي لتوطين آلاف النازحين السوريين في لبنان، بالإضافة إلى الفلسطينيين المتواجدين على الأراضي اللبنانية.
وبالرغم من أن المسؤول الأممي قد تجنّب الخوض في مصير النازحين، فإن قوى سياسية حذّرت من مخطط دولي يرمي إلى تحقيق هذا الهدف، وقد ذهب وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل إلى حدّ القول بأن ما من زائر دولي إلى لبنان إلا ويقارب هذا الموضوع إما مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما نفاه رئيس الحكومة تمام سلام بتأكيده بأن بان كي مون لم يأتِ لا من قريب أو بعيد خلال الحديث معه حول توطين النازحين السوريين، وأن لبنان أبلغ من يعنيهم الأمر بأن لبنان يرفض بالمطلق توطين أي نازح كما رفضه لتوطين الفلسطينيين منذ العام 1948.
وإذ يُؤكّد مصدر وزاري في هذا المجال أن لا وجود لمشروع دولي لتوطين النازحين السوريين أو اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بشكل صريح، فإنه يرى أن الطريقة التي تعالج فيها الدول الكبرى والدول المانحة ملف النازحين سيؤدي حتماً إلى توطينهم أو توطين الآلاف منهم.
وفي رأيه أنه عندما يعطى النازح كل شيء، حق العمل والتملك وحرية التنقل وما شابه فإنه لا يعود في وارد العودة إلى بلاده حتى لو انتهت الأزمة في سوريا، خصوصاً وأن هناك حديثاً عن حل تقسيمي فيدرالي، إضافة إلى أن معظم سجلات النفوس والسجلات العقارية في العديد من المدن السورية قد أُحرقت، وفي هذه الحالة ولو جزمنا بأن النازحين سيعودون فإن ما يقارب النصف مليون سوري لن يستطيعوا العودة وانهم سيبقون في لبنان تحت أي تسمية.
ويكشف المصدر الوزاري ان بريطانيا تعمل على اعداد استمارات لتشغيل النازحين السوريين حيث هم، ووضع الأطر المناسبة التي تبقيهم في البلدان التي لجأوا إليها وتحديداً في الدول المحيطة بسوريا غير ان هذا المشروع ما زال قيد الدرس، وهو بُحث مع مسؤولين لبنانيين الذين زاروا لندن في الآونة الأخيرة.
ويلفت المصدر الوزاري النظر إلى انه ووفق الإحصاءات فإن أكبر تجمع للنازحين السوريين اليوم هو في منطقة جبل لبنان وتحديداً في إقليم الخروب وفي منطقة الشمال، ويخشى من خلال المساعدات الدولية المشروطة في جانب فهم ان يُصار إلى وضع سيناريو لتوطين ما يقارب الـ300 ألف نازح في هذه المناطق التي تشكّل بيئة حاضنة لهم، سيما وأن هناك الآلاف من حالات الزواج قد حصلت في هذه المناطق منذ بداية النزوح إلى اليوم.
وفي هذا السياق تنقل أوساط سياسية عن أحد المسؤولين الكبار في إحدى الدول المجاورة لسوريا والمعنية بأزمة النازحين السوريين قوله انه في حال انتهت الأزمة السورية منذ الآن، وبدأ النازحون بالعودة فإن لبنان يحتاج إلى حوالى 30 عاماً لطي هذا الملف، كون ان هناك عوامل كثيرة يجب ان تؤمن قبل عودة النازحين إلى مدنهم وقراهم وطالما هذا الشيء لا يتأمن في غضون سنوات قليلة، فإن غالبية النازحين سيبقون في لبنان إلى ما شاء الله.
ولم يخف هذا المسؤول قلقه حيال الوجود الامني لهؤلاء النازحين والذي يفوق بكثير الحال الاقتصادية والمعيشية كون وجود النازحين في لبنان هو وجود عشوائي ومتفلت من أية ضوابط على عكس ماهو معمول فيه في بقية الدول إن كان في الأردن أو في القارة الأوروبية، إضافة إلى ضعف الدولة والانقسام السياسي الحاصل حول هذا الملف الذي يُشكّل قنبلة موقوتة لا يعلم الا الله متى تنفجر.
وإذا كانت أوساط «التيار الوطني الحر» ترى ان هناك من يعمل على تحقيق هدف اندماج النازحين السوريين في المجتمعات التي تستضيفهم لا سيما في الدول المجاورة لسوريا من خلال وضع شروط للمساعدات التي سيقدمها المجتمع الدولي لهذه الدول، فإن مصادر سياسية متابعة ترى ان أي كلام عن توطين للسوريين حيث هم في الدول المستضيفة ومنها لبنان يعني ان التقسيم في سوريا بات محسوماً، لكن هذا الأمر لم يتبلور حتى الساعة وبالتالي لا يمكن الحديث عن التوطين حالياً، وأن كان هذا الوجود سيطول، واضعة الكلام بهذا الصدد في خانة التوظيف السياسي وأن الحديث عن هذا الأمر هو أشبه «بحكاية راجح» لكي يظهر مطلق هذه الاخبار في مظهر انه الحامي للبنان.
وتسأل: لو كان صحيحاً ان بان كي مون قد بحث مع المسؤولين اللبنانيين فكرة توطين النازحين فهل كان الرئيس نبيه برّي على سبيل المثال أو «حزب الله» أو غيرهما من القوى السياسية قد سكت عن الموضوع؟
وتشدد هذه المصادر على ان الكلام عن توطين النازحين أو اللاجئين أقله في الوقت الراهن لا يتعدى كونه نوعاً من التحليلات والتخيلات غير المبنية على وقائع، داعية إلى التمهل وعدم استباق الأمور لأن مثل هذا القرار ليس من السهل تمريره حتى دولياً الا إذا كان هناك من يعمل على تفجير لبنان من الداخل.