في أحد لقاءاته الصحافية مؤخراً، لم يستبعد الدبلوماسي السوري المحنّك بشار الجعفري من وصول رئيس الدبلوماسية الأميركية جون كيري إلى دمشق، ليسأل عن احتياجات الجيش السوري.
جاء ذلك بعد تحرير مدينة تدمر وباديتها من براثن الإرهاب "الداعشي"، لأن كل "المعارضات السورية"، وتحديداً تلك المقيمة في الخارج، بصرف النظر عن تلك المتنعمة بإقاماتها في فنادق اوروبا وتركيا والخليج من فئة "خمس نجوم" أو متنعمة بجنسيات أخرى، أو لاجئة سياسية أو هاربة من بلدها، كانت مجمعة على أن معركة تدمر حين حصولها ستكون تدميراً للجيش السوري، وذهبت المواقف، سواء عبر الإعلام، أو في اللقاءات العلنية والسرية، إلى حد رسم السيناريوهات للآتي من هذه المعركة.
فهؤلاء مع أسيادهم أجمعوا على أن المعركة في تدمر وباديتها مختلفة عن الغوطتين، وعن ريف اللاذقية الشمالي، وعن أرياف حلب وحمص ودرعا وغيرها من المعارك..
تلك "المعارضات" مع أسيادها ذهبت إلى استعمال تعابير ومفردات دموية، تعبّر عن مدى حقدها وكراهيتها، وحتى عن مدى تلموديّتها بحقدها على الشام وبلادها.
وهكذا رأت في معنى تدمر أنها مشتقة من فعل دمّر، وبالتالي فتفسير تدمر عندها صار دماراً..
تحليلاتهم الاستراتيجية وصلت إلى حد تأكيد أن "عاصفة السوخوي" انتهت، وأن قيصر روسيا في القرن الحادي والعشرين فرّ بجلده، وأن بادية تدمر لن تكون مقبرة الدبابات السورية الروسية الصنع، بل للدولة الوطنية السورية، وأن مشاة الجيش العربي السوري "سيُفرَمون" داخل مدينة "الملكة زنوبيا".
هال هؤلاء الدمى وأسيادهم أن خططهم انهارت بسرعة قياسية، فـ"داعش" حينما خططت مع قادتها الحقيقيين من أتراك وصهاينة وغربيين للاستيلاء على "عروس البادية" أو"لؤلؤتها" أو بالأصح على "مملكة زنوبيا"، كانوا يدركون أن الطريق ستصير مفتوحة بشكل مريح إلى الرقة ودير الزور، وحمص، لا بل أبعد من ذلك؛ إلى العراق والأردن ولبنان، ومن هناك ربما إلى ما بعد بعد..؛ إلى بدء المسيرة العملية لتحقيق "نبؤة" الثعلب الصهيوني العجوز شيمون بيريز؛ "الشرق الأوسط الجديد"، والتي بدأ أعراب "الكاز" تحقيقها من خلال جامعتهم الأعرابية.
بعد السرعة القياسية في تحرير تدمر، بدأ كل شيء يتغير، فباراك أوباما صاحب مبدأ "الحرب الناعمة" التي تُعفي جيشه وأساطيله من التدخل المباشر، وهو من قاد مع إدارته وأركانها والمؤسسات السياسية والأمنية والمخابراتية والعسكرية والدبلوماسية، وكل ما يسمى حقوق الإنسان، والخزانة الأميركية، وأتباعه الخارجيين كحال بائعي الكاز العربي، وتركيا، واستنفر كل ادواته في المنطقة والعالم، من "قاعدة" و"اخوانج"، وكل فلول المرتزقة في العالم، شنَّ العدوان على سورية، ولهذا أصدر تعليماته إلى مدير استخباراته السابق الجنرال دايفيد بترايوس لقيادة الحرب على سورية، وإن كان بشكل غير مباشر، وبالتالي فقد استحضر بترايوس كل فروع "القاعدة" واشتقاقاتها وانشقاقاتها، وكل فروع التنظيم العالمي لـ"الإخوانج"، ووفّر لهم كل أسباب الدعم والتأييد والحدود الآمنة للتسلل إلى الداخل السوري عبر تركيا والأردن، وحتى من الكيان الصهيوني، وبالتعاون والترابط والتنسيق مع أتباع واشنطن في المنطقة، خصوصاً السعودية وتركيا وقطر والأردن، ليمتدّ شريط الاعتداء على سورية إلى أكثر من ثمانين دولة، وتجسّد ذلك في ما يسمى "مؤتمرات أصدقاء سورية"، التي كانت تقودها وزير الخارجية الأميركية السابقة والمرشحة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون.
وإلى ذلك، فقد أنشأت الإدارة الأميركية غرف العمليات في الأردن وتركيا لتخطط للحرب على سورية جنوباً وشمالاً، وحتى شرقاً من الحدود اللبنانية، (فهل تذكرون رحلات "الحج" من قوى 14 آذار إلى عرسال)، بالإضافة طبعاً إلى تسخير أضخم الإمكانيات والإمبراطوريات الإعلامية التي فبركت وضخّت أوسع عمليات الدجل السياسي والإعلامي والعسكري ضد الدولة الوطنية السورية، لكن الصمود السوري الأسطوري مع حلفائه بدأ بقلب كل المقاييس..
بشكل عام، بعد معركة انتصار الجيش السوري في تدمر: إلى أين سيتجه الجيش العربي السوري؟ نحو دير الزور أو الرقة أو حلب أو حمص؟ كل الخطوط مفتوحة، ولن ينفع بعد الآن شطارة دي ميستورا باستحضاره أشكالاً مختلفة من المعارضات إلى جنيف، وآخر إبداعاته استحضاره لجنة استشارية نسائية، للمطالبة بحقوق المرأة السورية، وهو لا يعلم أن زنوبيا هزّت يوماً عرش الأمبراطورية الرومانية، وأن نائب رئيس الجمهورية العربية السورية الآن هي أستاذة مرموقة؛ هي الدكتورية نجاح العطار، وأن هناك وزيرات ومديرات عامات ونواب في مجلس الشعب.. وهلم جرا، وهو الأمر الذي لا يتوافر في مشيخات الخليج، وحتى قد لا نجد له مثيلاً في دول عريقة بالديمقراطية.
وللتذكير فقط، فإنه في سنة 1927، كان هناك أكثر من عشرين طبيبة سورية، في وقت لم يكن يُسمح فيه للمرأة في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بحق الانتخاب.. فهل سنرى كيري يحقق توقعات بشار الجعفري ويسأل الرئيس السوري: أيها الأسد.. ما هي احتياجات جيشكم العظيم؟