من زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى لبنان، وتلك المرتقبة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، مروراً بزيارة الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي فديريكا موغيريني ووزير الخارجية البريطانية فيليب هاموند، وصولاً حتى رحلة رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري الروسية، يبدو بديهيًا أنّ ملفّ الرئاسة اللبنانية بات "طبقاً رئيسياً" على "موائد" دول المنطقة والإقليم، ولو كان ذلك على "هامش" ملف اللاجئين الذي يؤرق العالم من أقصاه لأقصاه.
من هنا، يشتمّ كثيرون ارتفاعًا في "الضغوط الدولية" لانتخاب رئيسٍ للجمهورية، خصوصًا مع بدء العدّ العكسي لاحتفال "فخامة الفراغ" بمرور عامين على تربّعه على عرش الرئاسة في لبنان، الأمر الذي يشرّع علامات استفهامٍ حول ما إذا كان الضوء الأخضر الخارجي لإنجاز الاستحقاق بدأ ينضج عملياً، وبالتالي ما إذا كان زمن الحديث عن "لبننة الاستحقاق" قد ولّى بعدما أدّى قسطه للعُلا، وأثبت اللبنانيون عجزهم فيه على جري العادة.
حركة غير مسبوقة؟
خلال الأيام القليلة الماضية، رصد المتابعون حركة دوليّة من وإلى لبنان، تكاد تكون غير مسبوقة منذ فتراتٍ طويلة، حركة، وإن كان ملف النازحين السوريين عنوانها الظاهر، في ضوء الاستنفار الغربي ولا سيما الأوروبي في مواجهته، وما يُحكى عن "إغراءاتٍ" تُقدَّم للبنان للإبقاء على النازحين على أراضيه، إلا أنّ ملفّ الرئاسة لا يمكن أن يكون بعيداً عنها، وهو الذي لا يمرّ لقاءٌ أو مؤتمرٌ حول لبنان إلا ويتصدّر النقاش.
هكذا، حضر هذا الملف في العلن وفي الغرف الضيّقة خلال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى لبنان، وقبلها خلال زيارة الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي فديريكا موغيريني، تمامًا كما سيحضر بطبيعة الحال خلال زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند المرتقبة إلى لبنان، في حال تمّت، وهو الذي يسعى منذ أشهر طويلة إلى إنجاز الإستحقاق الرئاسي من بوابة الحوار مع الجمهورية الإسلامية في إيران، من دون أن ينجح حتى الساعة في الوصول إلى هدفه، نتيجة التوتر في العلاقات بين طهران والرياض.
ولعلّ ما يزيد من هذه القناعة أنّ هذه الزيارة سبق أن تمّ التداول بها قبل أشهر وأرجئت إلى حين تأمين ظروف أفضل لها، كي تأتي مثمرة ولا تكون عابرة، لأنّ الرئيس الفرنسي لم يكن لديه ما يقدّمه على صعيد الرئاسة بالتحديد، علمًا أنّه كان من أول المرحبين بالتفاهم بين رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، الذي اعتقد أنه سيقود الأخير إلى قصر بعبدا من دون تعقيدات، فسارع للاتصال به "مباركاً".
"إنذار" الحريري للروس!
وإلى تحوّل لبنان مجدّداً إلى ما يشبه "القِبلة" للمسؤولين الغربيين والأمميين، برزت في الساعات الماضية الزيارة التي يقوم بها رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري إلى العاصمة الروسية، بدعوة من من وزير الخارجية سيرغي لافروف.
وإذا كان ما سُرّب عن أنّ الحريري سيوجّه خلال الزيارة "إنذاراً" إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و"سيضعه عند حدّه" من باب "السخرية" لا أكثر ولا أقلّ، فإنّ الأكيد أنّ الملفّ الرئاسي يشكّل، بحسب مصادر متابعة، العنوان الأساسي في "حقيبة" الحريري، إلى جانب المخاطر الإرهابية، وهو سيسعى جاهداً لاستغلال الزيارة لإقناع المسؤوولين الروس بالضغط على حلفائهم في لبنان والمنطقة لإنجاز هذا الإستحقاق، نظراً إلى التداعيات الكبيرة التي يتركها الفراغ الرئاسي على الساحة المحلية.
وتلفت هذه المصادر إلى الرسائل التي كانت قد نقلتها موسكو قبل أشهر عن أنها لا تعارض الذهاب نحو خيار المرشح التوافقي، بالإضافة إلى رغبتها في نسج تفاهمات مع السعودية، بعد أن توترت علاقاتها معها نتيجة الأحداث السورية، وتشير إلى أنّ الحريري سيسعى من هنا إلى طرح هذا الملف إنطلاقاً من المصالح الروسية، بعد أن لمس الجميع في المنطقة أن روسيا تسعى إلى عدم تفجير ساحات إضافية، بل إلى تبريد الساحات المشتعلة، وما انسحابها الجزئي من الأرض السورية في محاولةٍ لتسريع قطار التسوية سوى خير دليلٍ على ذلك.
"فزاعة" التوطين!
تبقى المفارقة وسط كلّ ذلك أنّ هذه الحركة المكوكية من وإلى لبنان تأتي في توقيتٍ لافتٍ شكلاً ومضمونًا على الخط الرئاسي، خصوصًا بعدما أدرك اللاعبون المحليون أنّ التوافق الداخلي، أو ما اصطُلِح على تسميته بـ"اللبننة" أضحت من "سابع المستحيلات"، بضوء عجزهم عن إنجاز الاستحقاق الرئيس رغم "قلبهم" لكلّ التوازنات المحلية، بدءاً من التحالفات الطارئة وغير المفهومة سواء بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" أو بين "تيار المستقبل" و"تيار المردة"، وصولاً إلى تبدّل مشهد الانقسام بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار على نحو دراماتيكي.
ومن هذا المنطلق، تعتبر المصادر أن المواقف الداخلية المحذرة من الزيارات الدولية قد تكون نابعة من القلق من المنحى الذي يذهب إليه الاستحقاق الرئاسي، على عكس الترويج لنظرية "فزاعة" توطين اللاجئين، التي يرفضها كما هو مفترض جميع اللبنانيين من دون استثناء، والتي لا يمكن أن تكون لصالح أحدٍ في لبنان، لا ديموغرافياً ولا سياسياً.
وترى المصادر في هذا السياق أن هناك فريقاً محلياً يضع الملف الرئاسي على رأس قائمة أهدافه، وبالتالي هو يخاف من أن تأتي أي تسوية على حسابه، أو تنجح الضغوط الدولية في منع وصول مرشّحه إلى قصر بعبدا، ما يعني أنه سيلجأ إلى إستخدام كافة أوراقه في هذا المجال، وحكماً لن يكون الشارع بعيداً عنها، وهو الذي بدأ التلويح به أصلاً على نطاقٍ واسع.
الرئاسة "رهينة"
سواء كانت نيّة المجتمع الدولي "صافية" و"صادقة" أم لم تكن، الأكيد أنّ الملف الرئاسي الذي لم يكن يومًا منذ بدء الشغور في سلّم "أولويات" الدول الكبرى عاد ليفرض نفسه على "أجنداتها"، بعدما أخرجه اللبنانيون أنفسهم من يدهم، وبالتالي فإنّهم من يتحمّلون مسؤولية المآل الذي ذهبت إليه الأمور أولاً وأخيراً.
ولكن، وبعيداً عن رفض أفرقاء الداخل تحمّل أيّ مسؤولية من أيّ نوعٍ كان، ماذا عن التداعيات؟ ثمّ هل سيسارعون لتنفيذ الإملاءات الخارجية متى صدرت، بعد أشهرٍ طويلة من العناد وصولاً حتى القطيعة فيما بينهم، أم أنّ الرئاسة ستبقى "رهينة" حتى إشعارٍ لا أحد يعرف من يقرّره ومتى وكيف؟