قبل 38 عاماً اجتاح جيش العدو الإسرائيلي جنوب لبنان في اول عملية توغل كبيرة منذ قيام كيانه في العام 1948 . في ما عرف وقتها بعملية الليطاني ، أو الحرب الخامسة كما سمّاها البعض . هذا الإجتياح كان بمثابة تحضير للعدوان الاشمل الذي حصل في العام 1982 حين غزا جيش العدو ثلثي لبنان ودخل العاصمة بيروت.
الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان من 1949 وحتى ما قبل اجتياح 1978
تاريخ العدوان العسكري الصهيوني على الجنوب يعود الى سنة 1948, عندما خرقت الحدود الجنوبية للبنان العصابات الاسرائيلية ، وذلك ضمن عملية حيرام التي بدأت في 29 تشرين الأول ، واحتلت نحو 15 قرية، وقامت بتنفيذ مجزرة في بلدة حولا الحدودية في الأول من تشرين الثاني والتي اودت بحياة 93 مواطنا. وقد حاول الصهاينة آنذاك فرض امر واقع من خلال دخولهم الى لبنان ، وهو البقاء في القرى التي احتلوها والوصول الى نهر الليطاني للحصول على حصة من مياهه لكنهم عادوا وانسحبوا الى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد التوقيع على اتفاقية الهدنة مع لبنان في رودوس في 23 آذار 1949 .
على الرغم من اتفاقية الهدنة ، واصل الصهاينة اعتداءاتهم وعملياتهم العسكرية التي شملت معظم قرى وبلدات الحدودية ، وحتى القرى الجنوبية البعيدة عن الحدود , وتمثلت هذه الاعتداءات بغزو القرى وقتل المواطنين , وضرب البنية الاقتصادية والاجتماعية, ودفع الأهالي الى النزوح .
في عام 1960 وقع اشتباك بين الجيش اللبناني وجيش العدو الاسرائيلي, واسر اللبنانيون على أثره اربعة جنود اسرائيليين جرى تسليمهم فيما بعد.
وفي تشرين الأول 1965 أغارت الطائرات الاسرائيلية على منابع الحاصباني والوزاني وعطلت المشروع الذي كان مجلس جامعة الدول العربية قد أقره في العام 1964. ويقضي بتحويل مجاري الأنهر التي تصب في بحيرة طبريا، وهي الحاصباني والوزاني اللبنانيان وبانياس السوري.
وفي ليل 29/30 تشرين الأول 1965 , اجتازت قوات العدو الاسرائيلي خطوط الهدنة مسافة 3 كلم. ودخلت قريتي حولا وميس الجبل, ونسفت منازل فيها وخزانات مياه عامة.
وفي حرب حزيران 1967, وعلى الرغم من أن لبنان لم يشارك في فيها ، فقد اجتاحت اسرائيل مزارع شبعا في جبل الشيخ واحتلتها وطردت أهلها وفجّرت منازلهم.
ومساء يوم 28 كانون الأول 1968، نزلت فرقة كوماندوس إسرائيلية واحدة نزلت في مطار بيروت بواسطة طائرات مروحية ، لأربعين دقيقة ونسفت 13 طائرة من الطائرات المدنية ثم غادرت دون أية مواجهة.
وفي العام عام 1970 ، دخل جيش العدو الإسرائيلي الى قرى عدة في العرقوب ومرجعيون وبنت جبيل, وشن هجمات تحت غطاء مدفعي ثقيل, وغارات جوية. ثم انسحب .
وقد صدر عن مجلس الامن الدولي القرارين 279 و280, الذين طالبا بالإنسحاب من الأراضي اللبنانية .
وأعاد جيش العدو الإسرائيلي اجتياحه في مطلع العام 1971 وفي أيلول 1972 حيث قام جيش العدو, بقصف الجسور التي تربط المناطق الجنوبية بعضها ببعض, خصوصاً جسور نهر الليطاني.
وكما في اجتياح 1970 تصدى الجيش اللبناني بالإمكانيات المتوفرة لديه للهجمات الإسرائيلية وخاض مواجهات مشرفة.
وفي اجتياح أيلول 1972 ، دارت معركة بطولية ، حيث دمرت دبّابة للحيش اللبناني كانت بإمرة الرقيب أول اسماعيل أحمد، سبع دبابات لجيش العدو الإسرائيلي ، وظلّت تقاتل حتى نفاذ الذخيرة.
وشن الكيان العبري عام 1971 غارات وهجمات في منطقتي مرجعيون وبنت جبيل والعرقوب والخيام وكفر كلا. واصدر مجلس الامن قرار اخر حمل الرقم 295 لوضع حد للغارات.
وفي ليلة 20-21/2/1973 هاجمت قوات إسرائيلية، بحرية ومظلية، معومة بغطاء جوي مخيمي البداوي ونهر البارود، قرب مدينة طرابلس شمال لبنان. وادعى ناطق إسرائيلي أن الهجوم استهدف قواعد للفدائيين: ثلاثاً قرب مخيم البداوي في المرتفعات المحيطة بطرابلس، وأربعاً قرب مخيم نهر البارود، على بعد 25 كم من الساحل.
وفي 10 نيسان 1973 ، تمكنت قوة خاصة اسرائيلية من اغتيال ثلاثة قادة المقاومة الفلسطينية في منطقة فردان في بيروت .
وفي آب 1974، بدأت تل أبيب تنفيذ ما أسمته سياسة الضربات الوقائية، فأصبحت ضرباتها على القواعد الفلسطينية والقرى الحدودية شبه يومية.
الحرب الأهلية
مع اندلاع الحرب في لبنان العام 1975 انحسرت سلطة الدولة اللبنانية . وفي 25 أيار 1975 حاول الاسرائيليون اقتحام بلدة عيتا الشعب واشتبكوا مع الجيش اللبناني ما أدّى إلى استشهاد سبعة عسكريين. وحصلت اعتداءات أخرى العام نفسه من بينها قصف منطقة صور، ومحاولة اقامة مراكز ثابتة على طريق مرجعيون صدها الجيش اللبناني.
دخلت " اسرائيل " على خط الازمة اللبنانية بشكل علني ومباشر. من خلال ما سمي بالجدار الطيب . وهو تسمية اسرائيلية لنقطة حدودية بين لبنان وفلسطين المحتلة بالقرب من مستوطنة المطلة. تم افتتاحها في نهاية العام 1975 في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. وشكّل الجدار نقطة عبور لآلاف من الأيدي العاملة اللبنانية الرخيصة في سوق العمل الاسرائيلي.
واستخدم الاسرائيلون هذه النقطة إعلاميا ، كمادة التضليل والزعم بأنهم يقدمون مساعدة الإنسانية لسكان جنوب لبنان الذين حالت الحرب الأهلية في لبنان دون مواصلة صلاتهم وعلاقاتهم مع بيروت وبقية المناطق اللبنانية.
وفي الأول من آب عام 1976 شنت القوات الاسرائيلية ومجموعات لبنانية متعاملة معها هجوما الاول في محور القطاع الشرقي. واحتلت مرتفع (النبي عويضة) المطل على بلدة الطيبة, وجبل المحامص الى الجنوب من بلدة الخيام.
وفي 21 تشرين الأول 1976 ، قصفت قوات الإحتلال سوق الخميس في بنت جبيل ، فسقط منهم 23 شهيدا و30 جريحا.
ومع حلول نيسان 1977 كانت القوات المتعاملة مع اسرائيل بقيادة سعد حداد تسيطر على اكثر من ثلاثين قرية من قرى الجنوب اللبناني.
الموقفين الرسمي والشعبي من التصدي للإعتداءات الإسرايلية
بعد حرب 1948 ، لم ينخرط لبنان الرسمي بأي حرب على الكيان الإسرائيلي . ولم يشارك في الحروب العربية الاسرائلية في الأعوام 1956 و1967 و1973 . لكن لبنان بقي في حالة حرب مع " اسرائيل " وهو ملتزم باتفاقية الهدنة لعام 1949 .
وحتى مع التزامه بالحياد وعدم الإنخراط في المعارك ، الا ان " اسرائيل " لم توقف اعتداءاتها على لبنان . وخلال الإعتداءات والهجمات الإسرائيلية كان الجيش اللبناني يتصدى بالإمكانيات المتوفرة لديه .
اما شعبيا ، فمنذ ما قبل قيام الكيان العبري في العام 1948 ، وعى أهل جبل عامل للخطر الصهيوني في فلسطين ، واطماعه في لبنان وساعدوا الفلسطينيين في ثوراتهم في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي . وفي العام 1948 ، تطوع الجنوبيون في جيش الإنقاذ العربي .
وبعد نشأة الكيان ، واعتداءاته ، سعى ابناء جبل عامل للدفاع عن اراضيهم ، لكن لم يكن هناك اي دعم رسمي من الدولة للمساعدة على البقاء في ارضهم . ومع بدء العمليات الفدائية وانطلاق المقاومة الفلسطينية تعاطف معها ابناء الجنوب وانخرطوا في صفوفها ، وفي صفوف الأحزاب اللبنانية التي دعت الى مقاومة العدو الإسرائيلي .
الإمام السيد موسى الصدر ومواجهة الخطر الإسرائيلي
بعد انتخابه رئيسًا للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في 1969 ، حذر الإمام السيد موسى الصدر حذر من الخطر الصهيوني المتزايد، وأكد دعمه للمقاومة الفلسطينية لتحرير الأرض المغتصبة.
وفي العام 1970 ، طالب الإمام الصدر بتسليح المواطنين وتدريبهم للدفاع ووضع قانون خدمة العلم وتنفيذ مشاريع إنمائية مع دعوة الناس للصمود في قراهم في منطقة الحدود الجنوبية وعدم النزوح. وذلك للتصدي للاعتداءات الإسرائيلية .
أسس الامام الصدر «هيئة نصرة الجنوب» بمشاركة رؤساء الطوائف اللبنانية. ودعا إلى إضراب سلمي وطني عام في 26 ، أنشأت الدولة اللبنانية على اثره « مجلس الجنوب » بهدف تنمية الجنوب ورفع الحرمان عن لبنان.
كان الإمام السيد موسى الصدر وفي كل مناسبة ، يتحدث عن التهديد الإسرائيلي للبنان. والمقاومة المنظمة ضد الاحتلال الاسرائيلي تستمد أهم مقومات وجودها من الجهد الهائل الذي بذله الإمام الصدر ، حيث وضع النواة لوجود مقاومة تتوافر فيها شروط الاستمرارية والانتصار.
لم تقتصر دعوة الإمام الصدر للمقاومة على الاعمال العسكرية ، بل سعى الى انشاء مجتمع مقاوم وصامد وصابر ورافض لكل أشكال التعامل او اليأس او الاستسلام يرفد المقاومة المسلحة بقدرة التواصل والمثابرة وتحمل التضحيات . وكانت مقولته الشهيرة : " اسرائيل شر مطلق التعامل معها حرام " .
كما كان دائما يدعو الى تكليف الجيش بالانتقال إلى الجنوب، ضمن خطة عسكرية سليمة، وفي مواقع معينة والدفاع المستميت عن الوطن. كما كان الإمام الصدر يدعو الى الاستعانة بالأسلحة التي تقدم إلى الجيش اللبناني من أي مصدر كان.
في خطاب ألقاه الإمام الصدر بتاريخ 20/1/1975، بمناسبة ذكرى عاشوراء ، دعا المواطنين اللبنانيين إلى تشكيل مقاومة لبنانية تتصدى للاعتداءات الإسرائيلية وللمؤامرات التي تدبرها اسرائيل لتشريد اللبنانيين من أرضهم "لأن الدفاع عن الوطن ليس واجب السلطة وحدها، وإذا تخاذلت السلطة فهذا لا يلغي واجب الشعب في الدفاع".
وقد باشر الامام الصدر تأسيس المقاومة بشكل سري منذ 1973 ، ليعلن عن ولادة أفواج المقاومة اللبنانية (أمل) إثر حادث معسكر التدريب في عين البنية في 5 تموز 1975 . وقدمها بأنها " أزهار الفتوة والفداء ممن لبوا نداء الوطن الجريح الذي تستمر اسرائيل في الاعتداء عليه من كل جانب وبكل وسيلة". وأوضح أن شباب "أمل" هم الذين استجابوا لدعوته من أجل حماية الوطن وصيانة كرامة الأمة ... في الايام التي بلغت الاعتداءات الاسرائيلية على الجنوب ذروتها ولم تقم السلطات المسؤولة بواجبها الدفاعي عن الوطن والمواطنين".
مواجهات 1977
بنت جبيل
في الساعة السادسة صباحاً من يوم 24/2/1977 ، تعرضت مدينة بنت جبيل لقصف عنيف بالمدفعية من مواقع القوات الإسرائيليّة وعملائها ، الذين تقدموا نحو محور تل شلعبون وسيطروا عليه من دون مقاومة . وبعد سقوط تلّ شلعبون، أغلقت القوى المتعاملة مع العدو الإسرائيلي طريق بنت جبيل، فأصبحت المدينة شبه محاصرة .
شنت قوات مشتركة من حركة امل وفتح وجيش لبنان العربي ، هجوما مضادا لتحرير التل ، وتقدم مقاتلو حركة امل من محور الطيري نحو التلّ من الخلف ، وقامت مدفعيّة جيش لبنان العربي بقصف القوات العميلة فوق تلّ شلعبون، وبدأت قوّات أمل وفتح الهجوم انطلاقاً من تلّ مسعود فيما بدأت قوّات أخرى من أمل مع قوّات جيش لبنان العربي التقدّم انطلاقاً من صف الهوا ، فجَرَتْ معركة حامية ، استعيد على اثرها تلّ شلعبون، وأنقذت بنت جبيل من المحاصرة.
بعد خسارة تل شلعبون ، شن العملاء هجوما على تلّ مسعود ، الذي كان يدافع عنه مقاتلون من حركة امل ومقاتلين فلسطينيين من حركة فتح ، تحت وابل من القصف المدفعي العنيف ، تقدمت القوات العميلة وأصبحت على بعد أمتار من قمّة تل مسعود، لكن المدافعين عن التل استشرسوا في الدفاع . حتى وصلهم الدعم من مجموعة من مقاتلي حركة امل كانوا يتمركزون عند تلّة المشتى ، الذين شنوا هجوما على القوات المهاجمة من الخلف وكبدوها خسائر فداحة فاضطُرّت إلى الانسحاب .
معركة الطيبة - رب ثلاثين
في 30/3/1977 ، تقدّمت قوّات العدوّ الإسرائيلي مع عملائها نحو بلدة الطيّبة مدعومة بغطاء جوّي من ثلاثة محاور، فحاصروا البلدة، كما عمدوا إلى قطع الترابط بين قمة ربّ ثلاثين والطيبة .
قاوم مقاتلو حركة أمل في بلدة الطيّبة قبل ان ينسحبوا ، فيما دافع مقاتلو امل وحركة فتح عن تلة ربّ ثلاثين ببسالة قبل ان تسقط.
وبعد أربعة أيام من الإنسحاب ، وصلت قوّات إسناد لتفتح جبهة طويلة تمتدّ عدّة كيلومترات ضدّ العدوّ، حيث قصفت مواقع العدوّ بشدّة واستعاد مقاتلون من حركة امل وفتح بلدة الطيّبة، فيما شنّت حركة أمل هجوماً على تلّ ربّ الثلاثين، واستعادته عليه وقتلت عدداً كبيراً من قوّات العدوّ، وأسرت واحداً.
وامتد الهجوم الى بلدة الخيام والمحاور والتلال الرئيسيّة فيها. كما وجرت عمليّات تسلّل إلى بلدة مرجعيون لردع العناصر العميلة المتواجدة في هذه البلدة .
عملية الشهيدة دلال المغربي
نهار السبت في 11 أذار 1978 ، نفذت مجموعة من المقاومة الفلسطينة عملية كمال عدوان بقيادة الشهيدة دلال المغربي على الطريق الساحلي شمالي تل أبيب، التي أدّت إلى مقتل 32 إسرائيلياً وجرح 82 آخرين . وتحت ذريعة هذا العملية اجتاح حوالى 25 ألف جندي إسرائيلي جنوب لبنان ليل 14-15 آذار 1978في عملية أطلق عليها اسم عملية الليطاني. في «عملية الليطاني». وأعلن رئيس أركان جيش العدو الاسرائيلي موردخاي غور ان كيانه ينوي اقامة حزام أمني على طول الحدود اللبنانية بعمق 10 كلم .
عملية الليطاني
كان الرد " الإسرائيلي " سريع على العملية الفدائية ، مما يعني بأنهم كانوا مستعدين واعدوا العدة للقيام بغزو لبنان .
وانطلقت عملية الليطاني التي كان هدفها تدمير المقاومة الفلسطينية واللبنانية في الجنوب اللبناني، وتغيير الخريطة السكانية للمنطقة، إنشاء منطقة أمنية بعمق 15 كم داخل الحدود الجنوبية اللبنانية، بما يحقق أمن شمال الكيان الإسرائيلي ، والتمهيد للاستيلاء على نهر الليطاني .
حجم القوات
جهز كيان العدو الإسرائيلي فرقتين ولواء مظلات وعناصر الدعم اللازمة لتنفيذ العملية، وكان مجموع القوات يتراوح بين 25 الى 30 الف جندي . مدعومين بغطاء جوي كثيف من الطائرات الحربية والمروحية.
كما فرض العدو حصاراً بحرياً على الجنوب اللبناني حتى صيدا شمالاً. وكانت القطع البحرية تساند القوات البرية في تقدمها، وتقصف قواعد ومعسكرات المقاومة .
في المقابل ، بلغ حجم قوات المشتركة من المقاومتين اللبنانية والفلسطينية عدة آلاف، يتمركزون في مواقع متفرقة علي طول الحدود، وبعضها يتجمع في معسكرات. وكان لديهم عدد من مدافع ميدان روسية الصنع وقواذف صاروخية (كاتيوشا).
العمليات العسكرية
في ليل 14 – 15 آذار 1978 ، بدأ جيش العدو الإسرائيلي قصفاً مكثفاً، جوياً ومدفعياً ، ضد جنوب لبنان . ردت عليه المقاومة بقصف المستعمرات في شمالي فلسطين المحتلة .
وقد دفع القصف الإسرائيلي ، سكان الجنوب الى البدء بالنزوح شمالاً خصوصاً إلى ضواحي بيروت.
واستمر القصف الإسرائيلي طوال نهار الخامس عشر من آذار. وفي هذا اليوم قصف الطيران الإسرائيلي مسجداً في بلدة العباسية التجأ اليه عدد من العائلات فاستشهد وجرح 112 مواطناً معظمهم من النساء والأطفال .
وفي نفس اليوم ، قام الطيران الحربي الإسرائيلي بقصف وحدات سكنية ومؤسسات تجارية في منطقة الأوزاعي ما أدى إلى استشعاد 26 مواطناً لبنانياً وتدمير 30 وحدة سكنية. وتلت مجزرة الأوزاعي مجزرة راشيا الفخار حيث استشهد 15 لبنانيا لجأوا إلى الكنيسة بقذائف المدفعية الإسرائيلية.
أما في بلدة كونين ، قفد دهست دبابة صهيونية سيارة المواطن درويش درويش التي كان يستقلها 6 اشخاص من عائلته، مما ادى الى مجزرة فظيعة بحقهم. ثم بادرت بإطلاق النار على المنازل مما أسفر عن سقوط 24 شهيداً اضافيا.
وفي 16 آذار بدأت قوات العدو الإسرائيلي البرية التقدم من ثلاثة محاور الثلاثة ، واندفعت لمهاجمة مراكز المقاومة . ودارت معارك متباينة في عنفها وشراستها علي طول الحدود الفلسطينية ـ اللبنانية.
اعتمد العدو الإسرائيلي في هجومه على تشكيلات متتالية مختلطة من الدبابات والمشاة الميكانيكية مع نيران كثيفة للمدفعية والطائرات بهدف القضاء على كل مقاومة محتملة، أو على الأقل إبطالها، ولزيادة حركة قواته وتحقيق بعض المفاجآت التكتيكية استخدم قوات محمولة جواً وأخرى تم إنزالها من البحر.
وكانت قوات العدو تتقدم ، وعندما تجابه مقاومة شديدة ، كانت تلتف حول النقاط التي لا تستطيع السيطرة عليها وتحاصرها . كما حصل مع مدينة صور .
وكانت اعنف المعارك على المحور الساحلي حيث لم تتمكن قوات العدو من الوصول إلى أهدافها طوال اليوم 16 ، بينما تقدمت على باقي المحورين الأوسط والجنوبي .
وفي يوم 17 آذار ، واصل جيش العدو الإسرائيلي توغله ، مع استقدام تعزيزات لقواته المتقدمة حرصاً على سرعة إنجاز المهمة، واستطاع الوصول الى عمق 10 ـ 15 كم شمال من الحدود . وفي هذا اليوم، سقطت قرى الناقورة، وعين إبل، وبنت جبيل، وبليدا، وغيرها من القرى والمدن الحدودية.
وفي بلدة عدلون الساحلية ، وبينما كانت سيارتين مدنيتين تضم افرادا من آل قدوح وآل الطويل متوجهتين نحو بيروت هربا من القصف، اوقفتهم قوات العدو المتسللة ، واطلقت عليهم وابل من الرصاص والقنابل مما اسفر عن حدوث المجزرة بحق الركاب الذين استشهد منهم 17 .
اما بلدة الخيام ، فقد هاجمتها فرقة من جيش لبنان الحر المتعامل مع الاحتلال الاسرائيلي القرية الخيام، وارتكبت مجزرة ذهب ضحيتها أكثر من 100 شخص، معظمهم تتراوح أعمارهم ما بين 70 و85 سنة.
نجحت القوات المعادية في تحقيق المهمة المباشرة للهجوم، يومي 16 و 17 آذار ، وفي صباح 18 آذار ، اندفعت تستكمل مهامها ، لا سيما على المحور الساحلي، حيث نفذت عمليات انزال بحري وإبرار جوي في منطقة الرشيدية، استكمالا لحصار مدينة صور .
وفي التاسع عشر من آذار ، استمرت أعمال القتال ، وتمكنت قوات العدو من الوصول إلى الخط العام، جنوب مرجعيون ـ جويا ـ الرشيدية، من دون تحقيق المهمة النهائية المحددة في الخطة وهو الوصول الى الخط العام الخيام – النبطية – الصرفند اي الضفة الجنوبية لنهر الليطاني .
خطة المقاومة
توفرت لدى لدى المقاومتين اللبنانية والفلسطينية معلومات عن الإستعدادات الإسرائيلية للقيام بغزو ، الا انها لم تكن لديها الإمكانيات للتصدي لهجوم قوات نظامية بهذا الحجم .
فقررت استخدام تكتيك يسمح بحرية التحرك والمناورة ، وأمرت القوات المدافعة أن تكون في كل مكان يتقدم فيه العدو، وأن تختفي في موقع لتعود لتظهر في موقع آخر، متحولة إلى قوات متحركة تقوم بضرب أطراف الأرتال المعادية ومؤخراتها.
واستناداً إلى هذه الخطة ، فقد صمدت خلايا المقاومة في مارون الراس، وبنت جبيل، والطيبة، والجرمق، وحداثا ، وتبنين بشكل عرقل تقدم القوات الغازية، وأدى إلى إبطاء تحركها. وفي الواقع كانت جيش العدو سيطرة مقتصرة على محاور الطرق .
معركة صور
منذ بدء العدوان ، تعرضت صور ومحيطها لقصف عنيف ، من البحر والجو. وحاولت القوات المعادية التي تتقدم على المحور الساحلي ، شق طريقها بسرعة نحو مدينة صور بالتعاون مع الطيران والبحرية، والوحدات النازلة من البحر، ولكن محاولاتها لم تكن ناجحة .
واعتباراً من يوم 18 آذار ركزت قوات جهود قواتها على مدينة صور، فتحركت القوات نحوها من ثلاثة اتجاهات هي:
1) القنطرة – حريقة – دير قانون – البجة – برج رحال.
2) السلطانية – الشهابية – جويا – البازورية – حاراتا.
3) صديقين – قانا – تبولية – الناقورة – رأس البياضة.
كما نفذ العدو انزالات جوية في منطقة الحنية ومعلية. وفي مساء اليوم نفسه تمكن العدو من تطويق صور.
واعتباراً من صباح يوم 20 آذار ركز العدو نيران مدفعيته وطيرانه وبحرية كاملة على المدينة. وتحركت قواته من مختلف الاتجاهات محاولة القضاء على ما تبقى من مقاومات ودخول المدينة، ولكنه لم يستطع. وخاضت القوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية معركة دفاعية تمكنت فيها من الصمود حتى قبول الطرفين بقرار مجلس الأمن وقف إطلاق النار وتطبيقه عملياً.
وبنهاية يوم 20 آذار 1978، هدأت النيران في الجنوب اللبناني. وبالرغم من اعلان العدو أنه سيطر على كامل المنطقة الواقعة جنوب الليطاني، ما عدا صور وضواحيها. فهو لم يصل الضفة الجنوبية لنهر الليطاني ، وكان هناك عدد من القرى لم يدخلها. وكانت هناك خلايا للمقاومة لا تزال تتحرك .
رود الفعل العربية والدولية
لم تخرج ردود الفعل العربية والدولية عن حدود الإدانة الإعلامية. وتزامن الإجتياح مع وجود رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي مناحيم بيغن، في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد نجح في إقناع واشنطن بضرورة تنفيذ العملية الإسرائيلية، وتأجيل رد الفعل الأمريكي .
وقدمت واشنطن في 18 آذار ، وبعد تحرك لبنان ، إلى مجلس الأمن، مشروع قرار لإيقاف النيران ، والذي صدر يوم 19 آذار, وحمل الرقم 425 الذي يطلب من الكيان الإسرائيلي الانسحاب "الفوري" من جنوب لبنان و إرسال قوات طوارئ دولية مؤقتة إلى جنوب لبنان.
خسائر اجتياح 1978
قدرت السلطات اللبنانية الضحايا من الفلسـطينيين واللبنانيين بحوالي 1100 شهيد . واستهدف العدوان 358 بلدة وقرية في أقضية بنت جبيل، مرجعيون، حاصبيا، صور، النبطية، وكانت حصيلته، احتلال 1100 كيلو متر مربع من الأراضي اللبنانية .
ودمرت قوات الاحتلال بالمدفعية والطائرات والمتفجرات تدميرا كاملا عدة قرى منها الغندورية، العباسية، العزية، القنطرة، دير حنا، البياضة، مزرعة النميرية، مزرعة الخريبة.
كما جرى تخريب البنى التحتية ولا سيما شبكات المياه والكهرباء والهاتف على مساحة العدوان واتلاف المزروعات على مساحة آلاف الدونمات ، بالاضافة الى تدمير خمسين مدرسة وتخريب عشرة مستشفيات ومستوصفات وتدمير أكثر من عشرين مسجدا وكنيسة وحسينية.
كما قدرت مصادر الصليب الأحمر الدولى، أن ما ما يراوح من 250 ألفاً و300 ألف من سكان الجنوب، تركوا المنطقة، ونزحوا إلى الشمال لا سيما العاصمة بيروت وضواحيها .
ما بعد انتهاء العمليات العسكرية
استمرت جيش العدو الإسرائيلي في احتلال الجنوب اللبناني إلى حين وصول "جيش لبنان الجنوبي"، بقيادة المنشق الرائد سعد حداد، واحتلاله مراكز أمنية في المنطقة، التي حددتها " إسرائيل " كحزام أمني شمال الحدود الدولية بـ 10 ـ 15 كم بلغت مساحته حوالي 700 كلم مربع وشمل 55 قرية وبلدة لبنانية، وانسحبت انسحاباً جزئياً من منطقة جنوب نهر الليطاني، وتركت لنفسها الحق في دخول الجنوب اللبناني في أي وقت.
تحرك الإمام المغيب موسى الصدر
حصل الاجتياح الإسرائيلي في 14 آذار 1978 أثناء وجود الإمام المغيب السيد موسى الصدر في باريس . فتحرك على خط إدانة هذا الاعتداء وأبرق إلى المراجع الدينية في العالم في هذا الشأن.
من نداء سماحته الى اللبنانيين بعد اجتياح العدو الإسرائيلي للبنان
ووجه سماحته نداء الى اللبنانيين في 17 آذار 1978 جاء فيه : الجنوب البطل الذي ضحّى وأجزل العطاء يوم بخل الجميع يتحمل اليوم مسؤولية القضية الكبرى بما لم يسبق له مثيل. الجنوب يتعرض اليوم لأقسى هجوم عدواني شهده وطننا. على الجميع الارتفاع الى مستوى الجرح العميق وتحمل المسؤولية الوطنية والإنسانية.
وفي 25/3/1978، وجـه الامام الصدر نـداء تحت عنوان " ماذا فعلتم بجنوب لبنان أيها العرب اشار فيها الى ان سقوط الجنوب يعني سقوط لبنان وتقسيمه والتحول الى عهد الدويلات الطائفية وتحويل الشعب اللبناني الى شعب مضطهد. ، داعيا العرب الى أن يتحملوا مسؤولياتهم وألا يتركوا أبناء الجنوب بعد كل هذه التضحيات يحملون وحدهم مسؤوليات أكبر قضية في عصرنا أمام أخطر عدو في التاريخ.
بعدها قام الإمام موسى الصدر بجولة عربية على عدد من الرؤساء العرب إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان حيث وصل وأخويه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والأستاذ الصحافي السيد عباس بدر الدين إلى طرابلس ـ ليبيا في 25 آب تلبية لدعوة رسمية من سلطاتها العليا وانقطع الاتصال بهم هناك اعتبارًا من ظهر 31 آب وحتى اليوم.