إذا صدقنا بأن كلام وزير الخارجية جبران باسيل عن نية المجتمع الدولي توطين النازحين السوريين في لبنان مجرد افتراءات ومحاولة لحشد الشارع المسيحي خلف تكتل «التغيير والاصلاح»، فان ما يقال في اروقة القوى صاحبة القرار يفوق باضعاف كلام باسيل.
سواء اراد المعترضون التصديق او لا، فان هذه القوى تحذر صراحة من محاولات اممية للتضييق على لبنان سياسيا وامنيا واقتصاديا الى اقصى الحدود لإجباره على القبول بتأمين مقومات العيش الكريم للنازحين السوريين بما يشبه «التوطين المقنع» وهو ما ترفضه هذه القوى جملة وتفصيلا.
قد لا يستوعب البعض بأن سقف الحماية الدولية الموجود في لبنان مهدد بالسقوط فوق رؤوسنا، فالنازحين اصبحوا رسميا اليوم القنبلة الموقوتة التي سيهددنا بها المجتمع الدولي للاذعان والرضوخ الى مخطط توطينهم، الا ان الأخطر من هذا السيناريو هو توجه الدول الاوروبية بمؤازرة اممية الى ترحيل النازحين السوريين الموجودين في اوروبا الى لبنان والاردن، وهذه هي المهمة التي اتى من اجلها الامين العام للامم المتحدة بان كي مون.
ما يثير استياء هذه القوى اضافة الى التوطين هو خلق «كانتونات للسوريين» فاصلة بين المناطق اللبنانية وهو ما تعتبره هذه القوى مشروع تقسيم وفتنة وخلق نوع من الفيدرالية المذهبية.
طبعا، في المفهوم العام يدخل مشروع توطين النازحين في اطار التضييق على المقاومة اولاً واخيراً، صحيح ان الاخيرة لم تدخل جديا في المداولات الاعلامية لهذا الموضوع الا انها متيقنة بحسب مصدر مهم في 8 آذار من وجود نيات غير بريئة للزائر الاممي وللمجتمع الدولي لتوطينهم ولاستعمالهم كورقة تهديد للبنان اذا رفض التوجيهات الأممية.
وعلى هذا الاساس، يعد غباءً الاعتقاد بأن هذه القوى ستقف على الحياد ولن تحرك ساكنا لنسف مشروع التوطين من اساسه او ما اصطلح الغرب على تسميته بـ«العودة الطوعية» للنازحين السوريين... «الامر بالنسبة الينا ليس مزحة ابدا، ولا يعتقد اي طرف في لبنان بأننا نصدق كذبة المجتمع الدولي وحرصه علينا وإغراقنا بالهبات والمساعدات وتامين الحماية الامنية لنا مجانا».
ببساطة، اللعبة الاممية مكشوفة، «ونحن على يقين بأن كل هذا الحنان والدلال الدولي يصب في خانة تأمين الضمانات الامنية والاجتماعية اللازمة لدمج النازحين السوريين في مجتمعنا وتحويلهم الى «خلايا نائمة» وفتيل لاشعال الفتنة عند الضرورة».
لا تسقط هذه القوى من الحسبان ما يقال عن ابقاء النازحين في اماكن تواجدهم في لبنان والاردن وتركيا لثلاثة اهداف:
اولا: المشروع الغربي بإبقاء بعض المحافظات في سوريا في عهدة المجموعات التكفيرية كداعش واخواتها او على اقل تقدير استمرار الحرب فيها بما يخيف النازحين ويمنعهم من العودة من جهة، ويؤمن بالتالي وطنا لهذه المجموعات من جهة اخرى.
ثانيا: استعمال هذا السيناريو في اطار المشروع التقسيمي الذي بدأ يضرب المنطقة العربية من المحيط الى الخليج.
ثالثا: ايجاد كيانات مذهبية مستقلة تحت مسمى «اللاجئين» في كل الدول المحاذية لفلسطين المحتلة لحماية العدو الاسرائيلي.