يوماً بعد يوم تكشف السعودية ودول الخليج العربي مزيداً من "الاسلحة الفتاكة" في وجه لبنان وشعبه الذي كان يفترض انه صديق وشقيق لها. في السياسة الاختلاف مشروع ،وحتى الخلاف الكلامي والاعلامي مسموح الى حدود ما شرط ان لا يتعدى الى صدامات او شغب او اقتتال او حروب. اما ان يتحول التباين في وجهات النظر الى حالة من التشفي والكيدية والاستفراد والحصار على المستويات كافة اقتصادية وسياسية واعلامية وامنية، وان يتحول لبنان ورموزه المقدسة كالعلم والدولة والكرامات الشخصية، الى موضع سخرية وتندر واهانات فهذا ضرب تحت الحزام وتجاوز للاصول المهنية والاخلاقية والدينية والقانونية.

منذ اسابيع بدأت الحملة السعودية بوقف الهبتين العسكريتين للقوى الامنية المزعومتين بشهادة اهل المملكة و"مجتهديهم" في لبنان. ففي حين ان الغرض الاساسي هو خلاف بين ورثة الراحل عبدالله وورثة الملك الحالي سلمان وعدم القبول بتوريث الاعباء الاقتصادية للاول من قبل وارثي الثاني ومزايدتهم على منافسيهم الآخرين، والمقصود الخلاف المعلن بين جناح محمد بن سلمان ومحمد بن نايف. ومرّ توقيف الهبتين على اساس تحميله لحزب الله وتدخله في سورية وانغماسه في مشروع "التفريس" والتشييع للخليج والتوسع في دوله. وبلعها "حزب الله" وجمهوره وخصوصاً بعدما شُنت حملة لا مثيل لها على الحزب وشخص امينه العام السيد حسن نصرالله في لبنان من قبل حلفاء المملكة وتابعيها وكذلك في كل وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي تنتمي بالجنسية الى دول الخليج او بالفكر او بالولاء او بالترهيب والترغيب. ولولا حكمة "حزب الله" وتيار المستقبل وحركة امل والرئيس نبيه بري لكانت حولت اعمال الشغب لبعض المتهورين من ابناء الطائفة الشيعية والاحتقان عند بعض الشبان "المتحمسين" او "المدفوعين" في الطائفة السنّية، الدم "للكواحل" الآن في مناطق التماس السنّية- الشيعية، على خلفية الشريط التسجيلي لاحد الممثلين الفاشلين السعوديين للسيد نصرالله، والذي حاول عبر تقليد الاخير الاساءة الشخصية اليه وتصويره بشكل لا يليق بشخصه ولا مقامه ولا حزبه ولا عمامته ولا الطائفة والجمهور اللبناني والعربي والاسلامي الذي يمثله ويؤيده.

لجوء وسيلة اعلامية سعودية اخرى مكتوبة هذه المرة الى الاساءة للبنان كله بعلمه وارزته وكيانه وحدوده وتاريخه وتسخيفه على انه مجرد كذبة، لا يطاق ولا يحتمل وتجاوز لكل الخطوط الحمر الاخلاقية والاعلامية. فمتى تجرأ لبناني على الاساءة لدولة او لدين او لعلم اي دولة سوى دولة الكيان الصهيوني المصطنع والعدو وغير المعترف بها حتى اليوم. الا اذا اللهم اصبح لبنان وعلمه في مصاف العدو عند اهل الخليج او ان لبنان وشعبه "تصهينوا" بسبب عدم "تخلجنهم" ولم يصبحوا رعايا في السعودية او قطر او الكويت او الامارات.

وهذه الممارسة الرعناء للصحيفة السعودية سبقتها تصريحات غير لائقة لاحدى منتحلات الصفة الفنية في دولة خليجية والتي تجاوزت فيها ايضاً العقل واللياقة بوصفها اللبنانيين بالشحادين وببلد الزبالة.

الاستمرار بهذا النهج المتصاعد ضد لبنان وشعبه ورموزه ليس بريئاً او عفوياً او مجرد مصادفة، بل هو حملة مبرمجة يمولها واحد ويدعمها ويقف وراءها سيّد وعبيد صغار يسمعون كلمته ويتكلمون لغته، بالترغيب عبر التقاء المصالح وبعض الاموال التي شحّت اخيرا بالمناسبة، او بالترهيب عبر التلويح بالعقوبات وبالويل والثبور وعظائم الامور. وكيف لا ومن يصدر هذه الاوامر "خليفة المسلمين العرب" و"الحاكم بأمر الاسلام المعتدل"؟

في المقابل يسعى من يقف وراء هذه الحملات المبرمجة والممنهجة والمدروسة، الى استجلاب ردات فعل لبنانية وشعبية غاضبة وانفعالية، وتنقل الحادثة من الفعل المسيء، الى رد فعل اكثر اساءة على غرار التظاهرات المشاغبة في الشارع قبل اسابيع او الانصراف التلفزيوني والاعلامي لمواجهة منتحلة الصفة تلك والنزول بمستوى الخطاب الى الاسفاف والاحتضار الاخلاقي، وامس الاعتداء المستنكر والمشين على مكتب اعلامي للصحيفة والذي يفترض ان يواجه بحزم القوى الامنية وتقديم الجناة الى العدالة. فالاعتداء رغم فظاعته من قبل الكاريكاتور واساءته، لا يقابل برد همجي وغير حضاري. فعلى من تقطع الطرقات ولماذا تسخّر الشاشات والطاقات والبث التلفزيوني للرد على التفاهات بمثلها؟ فحري مثلاً ان ترفع دعوى قضائية او تحرك جهات يمكن ان تطال هذه المنتحلة الصفة والمسيئة وليس بالنزول الى درك ادنى منها.

التحرك بعقلانية شعبية وسياسية مطلوب في هذه الفترة. اذ تبدأ الخطوات العقلانية بموقف موحد في اول اجتماع لمجلس الوزراء والخروج بقرارات عملية، فإما باستدعاء السفراء المعنيين وممثلي الجهات المسيئة لتنبيههم، اوالسير بالخطوات القانونية والسياسية والدبلوماسية اللازمة، ويفترض بعدها تعويض معنوي عن الاساءات. وهنا تنتهي القضية وتتوقف كل حركات الفعل المصطنعة في وجه ردات الانفعال والغضب وتنفيس الاحتقان غير المدروسة والهوجاء والرعناء.

اما اغلاق احدى القنوات مكاتبها والتي كانت مسؤولة بشبكاتها عن "السكتش" المسيء للسيد نصرالله فبحث آخر وتذرع آخر بلبنان وواقعه الامني، من ازمة اقتصادية تطال الاعلام الخليجي ودول مجلس التعاون كافة.