فجأة وبسحر ساحر، يتناسى الإسلاميون والسلفيون المتعاطفون مع الإرهابي أحمد الأسير كل إنتقاداتهم السابقة لسجن رومية المركزي، فيصبح الأخير بمثابة فندق النجوم الخمس بالنسبة اليهم علماً أن في داخله صُوّرت أفلام التعذيب الشهيرة التي ظهر فيها الإرهابي عمر الأطرش مع موقوفين آخرين من طرابلس ووادي خالد، وعلماً أيضاً أن الفريق الذي يطالب اليوم بنقل الأسير من الريحانية الى رومية، لم يترك إنتقاداً إلا ووجّهه في السابق الى السجن المركزي وإدارته وصولاً الى وصفه بـ"غوانتانامو لبنان".
إذاً كيف تحوّل سجن رومية من "غوانتانامو لبنان" الى حاجة ماسّة للأسير؟ وما مدى صحة الإتّهامات التي تساق بحق سجن الريحانيّة الذي يشرف عليه الجيش اللبناني، من قبل محامي الأسير وحزب التحرير والإسلاميين؟ وكيف يبرّر هذا التناقض في النظرة الى سجن رومية بين الأمس واليوم؟ وماذا عن الإدعاءات التي تتحدث عن "إضطهاد الأسير في سجنه وعدم حصوله على الرعاية الطبية اللازمة والأدوية المطلوبة، وعن محاولة القتل البطيء التي يتعرض لها"؟
"هذا الحرص الذي يظهره الإسلاميون على حياة الأسير، يقابله حرص مضاعف لدى الأجهزة الأمنية وعلى رأسها الجيش اللبناني"، تقول المصادر المتابعة لوضع الأسير، وتضيف: "إذا كانت عائلة الأسير حريصة على حياته كما تدّعي، فالأجهزة الأمنيّة والعسكريّة، حريصة أيضاً وأكثر من أيّ جهة أخرى على صحته، كي يتمكّن الأخير من المثول أمام المحكمة العسكرية بكامل قواه العقليّة والجسديّة والإدلاء بإفاداته كاملة أمام أعين الصحافيين". إفادات سيكشف فيها الأسير المستور عن جرائمه بحق ضباط الجيش وعسكرييه، أكان في عبرا أم في بحنين وباب التبانه، كما في صيدا ومجدليون.
الدولة حريصة جداً على حياة الأسير، تقول المصادر الأمنية المتابعة، "وكل الذرائع التي تستعمل بوجه الجيش لنقله الى سجن رومية لن تجدي نفعاً، فالقرار بسجنه في الريحانية لم يتخذه الجيش ولا الأمن العام الذي أوقفه في المطار، بل القضاء اللبناني الذي يحدد عادةً أمكنة سجن الموقوفين، وهو الذي لن يسمح بنقله الى رومية خصوصاً أن الحجج التي تستعمل غير مقنعة وواهية". وفي تفصيل سريع لهذه الحجج، تسأل المصادر الأمنية المواكبة، "من قال لعائلة الأسير ولموكّله، إن الظروف الصحيّة التي يتحدثون عنها متوفّرة في سجن رومية أكثر من سجن الريحانيّة؟ وما الذي يؤكد لهم ألا يكون سجن الريحانيّة مطابقاً للمواصفات الصحيّة أكثر من سجن رومية المركزي حيث الإكتظاظ وأعمال التمرّد والإضرابات عن الطعام؟"
هذا بالنسبة الى وضع السجن، أما في ما يتعلق بأمراض السكري والربو والحساسية التي يعاني منها الأسير، والتي تستغلها العائلة ووكيله القانوني لنقله الى سجن آخر، فلا بد من التوضيح أنها أمراض كان يعاني منها الأسير قبل توقيفه ولم تصبه بعد التوقيف أو بسبب المعاملة الأمنيّة له، وبالتالي فتحميل المسؤولية للأجهزة الأمنية بأن الأسير فقد بضع كيلوغرامات من وزنه أمر في غير محله. وهنا لا بدّ من السؤال، ما الذي يؤكد هذا الفقدان في الوزن والعائلة لم تكن تشاهده يومياً قبل توقيفه أي في الفترة التي توارى فيها عن الأنظار وهرب الى طرابلس وبحنين ومخيم عين الحلوة؟
أما بالنسبة الى الرعاية الصحية التي يحكى أن الأسير يفتقدها في سجن الريحانية، فتسأل المصادر الأمنية، هل يعقل أن تبقى صحة الموقوف على حالها، إذا مُنع داخل السجن من تناول أدويته اليومية المتعدّدة؟ بالتأكيد لا، لأن الواقع لا يتطابق مع إدعاءات الأهل ووكيله كما الإسلاميين، فالطبيب المعالج يزور الأسير دورياً في سجن الريحانية، وأدويته تصله كما يجب، ومن دون تأخير. أضف الى ما تقدم، فزيارات الأسير ليست محصورة بأهله ووكيله القانوني، والدليل زيارة وفد هيئة علماء المسلمين له.
إذاً في المحصلة، مهما قيل وسيقال، لن يحصل قاتل 17 ضابطاً وعسكرياً في الجيش البناني على العطف السياسي والرسمي، ملفه كبير جداً مع التنظيمات الإرهابية وإرتباطه الوثيق بها لا يمكن لأحد تحمله أو تغطيته.