يبدو انه صعب كثيرا على اميركا وحلفائها واتباعها هضم ما حققته سورية وحلفائها من إنجازات في الميدان مؤخرا خاصة وان تلك التي كان تحرير تدمر منارتها، أحدثت في الغرب صدمة لدى الراي العام لأول مرة منذ العدوان على سورية، حيث طرحت الأسئلة الكثيرة التي قد تقود الى تحول انقلابي من الازمة السورية برمتها.
أسئلة طرحت عبر المقارنة بين حلفين واحد تقوده اميركا وتنتظم فيه 63 دولة تزعم انها توجهت الى العراق وسورية لمحاربة داعش وكانت النتيجة ان تمددت داعش تحت نظر التحالف وسمعه حتى انها دخلت الى تدمر وافسدت امنها قبل عشرة أشهر وطيران التحالف الأميركي يرعاها من الجو، واخر انتظمت فيه الى جانب سورية كل من روسيا والعراق وإيران والمقاومة في لبنان تحالف تمكن من طرد داعش من تدمر في اقل من عشرة أيام رغم كل ما كانت قامت به داعش من تحضيرات وتحصينات دفاعية وفقا للنموذج الإسرائيلي.
لقد حمل الإنجاز السوري العسكري الكبير في تدمر معطوفا على ما سبقه في ريف اللاذقية وريف حلب وسواهما حمل الراي العام الغربي على طرح أسئلة عميقة من قبيل القول: هل ان التحالف الغربي بالقيادة الأميركية عاجز فعلا عن مواجهة الإرهاب مقارنة مع التحالف السوري؟ ام ان القيادات الغربية مخادعة في ادعائها الحرب على الإرهاب وأنها في سورية من اجل امر اخر؟ ثم ما هي الأسباب الحقيقية التي جعلت سورية ومنذ سبعة أشهر تحصد الإنجازات العسكرية الميدانية الى الحد الذي قلب المشهد راسا على عقب في حين ان الغرب لم يحقق أي انجاز في مواجهة الإرهاب خلال 20شهرا، وأخيرا هل للغرب قدرة على استعادة التوازن بين الحلفين؟ وما الذي عليه فعله من اجل ذلك؟
هذه الأسئلة و سواها من الملاحظات حملت الاعلام الغربي و لأول مرة الى ما يشبه الصحوة او اليقظة و الوقوف على حقيقية ارادت أنظمة الحكم و الحكومات فيه اخفاءها عنه ، صحوة تخشى الحكومات الغربية المنخرطة في العدوان على سورية تخشى من انقلابها الى تحول فعلي ضاغط عليها يفضحها امام جمهورها ويمنعها من متابعة عدوانها و لهذا تجد تلك الحكومة حاجة او ضرورة لاستيعاب الوضع و المناورة بما يحفظ ماء الوجه أولا ثم تحديد الخسائر وصولا الى هدم الهوة الشاسعة بين التحالف الصادق في مكافحة الإرهاب في سورية والعراق و المشكل إضافة الى البلدين من ايران و روسيا و المقاومة ، و التحالف الكاذب المتظاهر بالحرب على داعش دون ان يقرن ادعاءه بسلوك ميداني جدي يقنع أحدا بان حربه تلك حقيقية او ذات قابلية لتحقيق أهدافها .
وفي هذا السياق يجد الغرب نفسه موضوعيا امام خيار من خيارات ثلاثة إذا أراد فعلا الخروج مما هو فيه من افتضاح الامر والحقيقة:
1) الخيار الأول و يتمثل بان يلتحق التحالف الغربي بكل بساطة بالحلف الفعلي الصادق ضد الإرهاب و الذي اثبت صدقيته و نجاعة استراتيجيته ، و هنا يكون القرار 2253 قد وضع فعليا موضع التطبيق و توحد العالم في محاربة الإرهاب ، و لكن هذا الامر يبدو صعبا على الغرب ، لا بل شبه مستحيل خاصة بالنسبة للدول الأساس في العدوان على سورية بدءا بأميركا مرورا بفرنسا و بريطانيا ووصولا الى تركيا و قطر و السعودية ، و لذلك و رغم ان هذا الحل هو الأمثل لما يوفره من فرص اقفال الدائرة على الإرهاب المتمثل بداعش و اخواتها و شبيهاتها ، و سد الثغرات المالية والإعلامية و العسكرية و الميدانية التي يمكن لداعش ان تتنفس منها و نعتقد ان وضع هذا الحل موضع الاعمال سيؤدي فعليا الى الاجهاز على الإرهاب في سورية و العراق في اقل من ستة اشهر في حد اقصى ، و لكن لا نعتقد ان اميركا تريد ذلك .
2) اما الخيار الثاني فقد يكون بتطوير التحالف الغربي بالقيادة الأميركية بشكل يقود الى التنسيق الإيجابي مع التحالف الاخر والاستفادة من غرفة عمليات بغداد الرباعية التي اثبتت كفاءة في إدارة العمليات ضد الإرهاب ومكنت من توفير المعلومات اللازمة للقوى الميدانية لتوجيه الضربات الدقيقة والمحكمة ضد المجموعات الإرهابية بما قاد الى تحقيق تلك إنجازات. ورغم ان هذا الحل سيكون اقل احراجا للمحور الأميركي الا ان فيه ما سيشكل إقرارا وتراجعا عن العدوان وتسليما بأحقية الحكومة السورية بقيادة الرئيس الأسد ومشروعيتها وشرعية ما قامت به وتقوم به في مواجهة الإرهاب الذي ادعى دعاة العدوان في لحظة ما، انه ثورة. وهذا ما لا يستطيع الغرب تقبله في المرحلة الحالية.
3) اما الخيار الثالث فقد يكون اللجوء الى المناورة والتظاهر بمراجعة المواقف والايحاء بان هناك جدية مستجدة سيلجأ اليها الغرب في محاربة الإرهاب عبر محاكاة الطبيعة البنوية للتحالف الصادق ضد الإرهاب، الطبيعة القائمة أساسا على قوات برية محترفة، ودعم ناري جوي دقيق وفعال، وتنسيق محكم بينهما وتخطيط تكاملي واختيار منهجي للأهداف المقصودة بالحرب. وهذا يفرض على اميركا أولا ان تبحث عن القوى البرية التي تمكنها من الاستغناء عن التعاون والتنسيق مع الجيش العربي السوري والقوات الحليفة والرديفة له خاصة رجال المقاومة من حزب الله، لان اميركا لا تتصور نفسها في خندق واحد مع هؤلاء الذين أصلا لا يثقون بها ولا يمكن ان يعملوا معها في أي حرب او معركة او حتى عملية محدودة.
ولان الحل الثالث قد يتراءى لأميركا انه اهون الشرور واقل الخيارات كلفة معنوية وسياسية، فيبدو انها تتجه الى العمل به رغم ان النجاح فيه يبقى منخفض السقف الى حد بعيد حتى يكاد يكون معدوما، ومع ذلك فان اميركا تتجه اليه لأنها ترى فيه فعليا الحل الممكن الوحيد الذي يحفظها شيئا من ماء الوجه.
ولأجل ذلك طرحت اميركا مؤخرا او لنقل عادت اميركا الى نغمة تدريب المعارضة المعتدلة وقررت ان تنتج في أشهر ثلاثة مقاتلين منها ترفدهم بقوات خاصة من اميركا ومن جهات أخرى تابعة لها، تدفع بهم الى الميدان السوري لتسجيل انجزما في مواجهة داعش لإخراجها من بلدة او مدينة ما يمكنها من القول بانها تعادلت مع الحلف الروسي السوري الإيراني في إنجازه في تطهير تدمر. اما على المقلب العراقي فأنها تشدد على ابعاد الحشد الشعبي عن معركة تحرير الموصل وتعمل على تهيئة قوى برية من مصادر أخرى تؤازر الجيش العراقي و "بقيادتها " لنثبت جديتها في محاربة داعش وترسيخ عودتها العسكرية الى العراق وإقامة القواعد التي حلمت بها.
ومع هذه المناورة الأميركية الجديدة نعود الى الأسئلة الغربية المتقدم ذكرها ونطرح سؤال اجمالي حولها ونقول هل ستستطيع اميركا ان تتحكم بحركة الميدان خاصة في سورية وتؤخر عمليات التحرير والتطهير التي يقودها الجيش العربي السوري، حتى تتمكن من تحقيق الإنجاز الذي ترغب حسب ارادتها؟ ام ان ما تخطط له اميركا حلم لن يرى النور في ارض الواقع؟
على ضوء الماضي و ما يحتضن من سلوكيات ونتائج ، و على ضوء الواقع و ما يقدم من مشاهد و قدرات ،نرى ان المناورة الأميركية الجديدة لن تقدم شيئا جديدا يعول عليه و لن تغير واقعا بات خارج السيطرة الأميركي ، و ليس من شأنه ان يحد من التحولات التي ترسم في الميدان السوري ، واذا كان من شأن تلك المناورات ان تعرقل بعض الشيء الحركة على المسار السياسي المستند الى القرار 2254 ، فليس من شأنه التأثير على القرارات السورية السياسية او العسكرية التي تتخذها الحكومة السورية بقيادة الرئيس الأسد ، وبمعنى اخر نجد ان سورية و بدعم من الحلفاء ماضية في طريق رسمته للدفاع عن نفسها بكل السبل فمن لحق بها و عمل معها تحت سقف شرعية الشعب و قراره المستقل كان له مقعدا في قطار الحل و من استنكف عن ذلك فسيبقى على الرصيف و ليطالب بعدها من ورطه واستخدمه بالأجر.