من تفضّل قوى "8 آذار" في رئاسة الجمهورية؟ يبدو للوهلة الاولى ان مقاطعة نوابها للجلسات الانتخابية هو تأييد لترشيح رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون. لكن الحقيقة تكمن بأن الغياب يأتي مسايرة لموقف "حزب الله" لا اكثر ولا اقل. وفق المصادر "حين تحز المحزوزية سيختار نواب 8 آذار رئيس المردة النائب سليمان فرنجية". لماذا؟
رغم الخلافات التي حصلت في صفوف محازبي "البعث" حول "القيادة القُطرية" في لبنان، لكن جميعهم يؤيدون علناً ترشيح رئيس "المردة" النائب سليمان فرنجية، ما يعني ان نائبي "البعث" سيقترعان لصالح زعيم "المردة". هذا قرار لا دخل - ولن تتدخل به القيادة القومية للحزب في دمشق. قرار البعثيين يستند الى علاقة تاريخية وخيارات سياسية واحدة متينة مع "المردة". هذا ما يقولونه في تصريحاتهم، الى حد الدعوة للذهاب الى المجلس وانتخاب فرنجية.
"الحزب السوري القومي الاجتماعي" لم يعلن موقفاً نهائياً إزاء المرشحين. لكن علاقة "القوميين" بفرنجية لا تقل متانة عن علاقة "البعثيين" به. بالمقابل، لم ينس "القوميون" انتخابات الكورة الفرعية الاخيرة التي أدت لفوز النائب "القواتي" فادي كرم بعد وفاة النائب فريد حبيب. يومها لم يلمس "القوميون" حماسة انتخابية "عونية" لمرشحهم وليد العازار. النتيجة أظهرت ان برودة "التيار الوطني الحر" تجاه المرشح "القومي" ساهم في عدم نجاحه بفارق اقل من 1300 صوت.
لا يقتصر التباعد هنا. ما يجري عادة في انتخابات المتن، كما حصل مع المرشح غسان الأشقر الذي خسر، رغم وجوده على اللوائح "العونية"، يدل على عدم الانسجام بين "القومي" و "التيار"، علما ان أصوات "القوميين الاجتماعيين" وازنة في المتن تاريخياً، ويتسابق المرشحون اليهم لمحاولة اكتسابها.
وعند استعراض وضع المسيحيين، يجري التعامل مع مقعدي نائبي "القومي" رئيس الحزب اسعد حردان - المقعد الأرثوذكسي في مرجعيون، ومروان فارس - المقعد الكاثوليكي في بعلبك - الهرمل، وكأنّهما مقعدان مُصادران لصالح نائبين لا يمثلان مسيحياً، علمًا ان "الحزب السوري القومي الاجتماعي" هو حزب عابر للطوائف وشبه وحيد في ممارسته السياسة بعيدا عن الطائفية والمذهبية والمناطقية.
كل ذلك يضاف الى محطات عديدة لها علاقة بطبيعة التحالف الجديد بين "التيار" و"القوات"، ما يفرض على "القوميين" ان يكونوا مع فرنجية لا الى جانب عون.
رغم ابتعاد حردان عن الإطلالات الإعلامية لأسبابه الخاصة، لكن "القوميين" يستعيدون نشاطاً وحيوية بفعل دور اساسي يلعبونه في الحرب ضد الارهاب. سقط لهم شهداء في المعارك التي تخوضها "نسور الزوبعة" ضد مجموعات إرهابية في سوريا وخصوصا في الدفاع عن المناطق المسيحية للمصادفة. هذا ما يجعل "القوميين" في موقع القرار، لا مجرد منفّذين لقرار أي حليف سياسي لا في لبنان ولا في الشام.
شكل التطورات السياسية اللبنانية، وعمق التحالفات المعطوفة على مواقف استراتيجية وايديولوجية تجعل "القوميين" منحازين الى "المردة" لا الى "حلف ثنائي قواتي - عوني".
من جهته، "الحزب الديمقراطي اللبناني" واضح في موقف رئيسه النائب طلال ارسلان - صديق فرنجية.
لو قُدّر لباقي أحزاب "8 آذار" أن يكون لهم نواب في المجلس لكانوا صوتوا لفرنجية أيضاً، كما تبدو المواقف والتلميحات، بإستثناء "المرابطون" و "التوحيد العربي" فقط المؤيدين لعون.
في كل الجلسات السياسية الضيقة والموسعة، تغوص شخصيات "8 آذار" في نقاشات مستفيضة حول الترشيحين مع ارجحية وازنة لزعيم "المردة". لكن تلك القوى تدرك ان مرحلة جديدة تداهمها، فالتحالفات اختلطت والحسابات تغيرت. والإنتخابات المقبلة سوف تشهد دفن تحالفي "8 و 14 آذار". يومها ستكون سوريا قد سلكت درب الخروج من الازمة وباشرت ترجمة الحلول السياسية. هذا ما يزيد من تفكيك الجبهات التقليدية في لبنان، باعتبار ان الخطر الإرهابي قد زال.