خمس سنوات ونيّف من الحرب الكونية على سورية، حُشدت لها كل الإمكانيات والوسائل وأشكال ‏الحروب، من حشد "نخب" ثقافية وفكرية وسياسية واعلامية، كانت حتى الأمس القريب تُعتبر من ‏رموز التنظير لليسار والقومية العربية والمقاومة، وعدد وافر من اللبنانيين الذي غيّروا جلودهم ‏ورؤوسهم، وانخرطوا يدافعون عن الليبرالية المتوحشة، و"القيَم" الأميركية، وصاروا من هواة ‏الديمقراطية الغربية، وتداول السلطة.. حتى أن بعضاً ممن هم ما زالوا في خندق المقاومة والممانعة ‏من الإعلاميين سقطوا مع بدايات الأحداث السورية في الفخ، وانطلقوا يبشرون لـ"ربيع الشعوب"، ‏لكنهم سرعان ما اكشتفوا هول المؤامرة، فعادوا إلى الركب دون أن يعتذروا أو يعلنوا أنهم ارتكبوا ‏غلطة شنيعة.‏

في الحرب على سورية كنا في "الثبات" أول من أشار إلى أبعادها التي يجري التحضير لها، ليس ‏على المستوى التاريخي وما تتضمنه الوثائق الصهيونية والغربية وحسب، إنما على المستوى ‏العملي المباشر لهذه المؤامرة الكونية التي بدأ التحضير لها منذ اليوم الأول لانتصار المقاومة في ‏لبنان ودحر العدو "الإسرائيلي" في 24 أيار 2000، وتبلور وأكثر فأكثر بعد الانتصار غير ‏المسبوق في حرب تموز - آب 2006 في تاريخ الصراع العربي - "الإسرائيلي"، والذي كان ‏لسورية دور هام ومؤثر ومباشر في هذين الانتصارين.‏

حشد إرهابي من أكثر من ثمانين دولة قادته واشنطن مباشرة، من خلال ناظرة الخارجية الأميركية ‏السابقة هيلاري كلينتون، التي اعترفت بأن "داعش" هي صناعة أميركية، كما "القاعدة" التي سبق ‏لها أن اخترعتها، والكل ما يزال يذكر مؤتمر "أصدقاء سورية" الذي كانت تقوده كلينتون نفسها، ‏ووصلت في إحدى المرات إلى حشد نحو مئة دولة للمشاركة في العدوان المباشر على الدولة ‏الوطنية السورية، أو في تمويل هذا العدوان.‏

مئات آلاف الأطنان من الذخائر والأسلحة، وبعضها محرَّم دولياً، زُوِّد بها الحشد الإرهابي ضد ‏سورية، وكان يتدفق عبر الحدود التركية والأردنية وفلسطين المحتلة، وحتى اللبنانية.‏

هل تذكرون أكذوبة الأسلحة الكيميائية قبل أقبل من ثلاث سنوات، حيث حاولوا اتهام الدولة الوطنية ‏السورية باستخدامها، في وقت كانت العصابات الإرهابية هي من يستعملها ضد الشعب والجيش ‏السوري؟

ومؤخراً هاجمت "داعش" بالأسلحة الكيميائية أحد مواقع الجيش السوري في محيط مطار دير ‏الزور العسكري بقذائف تحمل غاز الخردل، وهذه بالطبع ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها ‏الإرهابيون الأسلحة الكميائية، فقد سبق لروسيا أن طلبت مراراً بفتح تحقيق حول استخدام الكيميائي ‏من قبَل المنظمات الإرهابية في سورية والعراق، ومن يزوّدها بهذه الأسلحة، كما دعت الغرب ‏والرجعيين العرب إلى التخلّي عن سياسة اتهام دمشق فيما يخصّ استخدام المواد المحرمة دولياً، ‏والتي تنشط مملكة آل سعود باستعمالها الآن في اليمن.‏

مئات مليارات الدولارات وفّرتها دول الكاز العربي الخليجي لحشد الإرهابيين من رياح الأرض ‏الأربعة، من أجل تدمير سورية وإنهاء دولتها الوطنية، وكان التبني للمعارضات المختلفة ‏والمتنوعة؛ من جماعات التكفير إلى جماعات الفنادق، مع حشد إعلامي غير مسبوق كان وما زال ‏يضخّ الأكاذيب والفبركات ضد سورية ودولتها الوطنية، ولو أن المشيخات العربية وفّرت خمس ‏هذا المبلغ للتنمية العربية الشاملة، لما كان بقي جائع واحد أو أمي واحد ليس في العالم العربي ‏وحسب، بل في العالم الاسلامي كله.‏

ثمة تنسيق تام وشامل كان وربما ما يزال قائماً بين أجهزة المخابرات الغربية الأميركية ‏والصهيونية والخليجية، وقيام غرفّ عمليات في الأردن وتركيا لقيادة العدوان على سورية التي ‏صمدت، ليبدأ الإرهاب أمام الصمود السوري الاسطوري برحلة العودة من حيث أتى، ويبدأ إرهابه ‏على صانعيه، فيضرب في أكثر من عاصمة أوروبية صارت مخابراتها تنشد التنسيق مع ‏الاستخبارات السورية.. لكن سورية وجيشها وشعبها مع حلفائها صمدوا وما يزالون يواجهون ‏العدوان الاستعماري - الرجعي العربي - الصهيوني، الذي بات يئنّ من الإرهاب "الداعشي" ‏والتكفيري، والسؤال هنا: كيف تبقى جيوش العالم وأجهزة استخباراته عاجزة من دحر خطر ‏‏"داعش"؟

ببساطة، الأميركيون والصهاينة والسعوديون لا يريدون إنهاء "داعش" والإرهاب، إنما الاستفادة ‏من وجوده أطول فترة ممكنة، الأمر الذي يجعل فترة المعركة مرتبطة بمصالح التحالف ‏الاستعماري - الرجعي، وخير دليل على ذلك انتشار "داعش" و"القاعدة" في الأماكن التي وصل ‏إليها التحالف العدواني السعودي في اليمن، حيث التنسيق يكاد يكون تاماً وشاملاً.‏

الخلاصة، ثمة عدوان استعماري - صهيوني - رجعي يتكوكب فيه العالم في مجابهة كبرى بين ‏رئيسين لكل منهما أركانهما، وهذان الرئيسان هما باراك أوباما وبشار الأسد، وفي خضم المواجهة ‏المحتدمة ثمة سقوط ونهاية مدوّية لكثير من الأركان:‏

‏1-‏ سقط نيكولا ساركوزي في فرنسا، وخليفته فرنسوا هولاند يتميّز بشعبية في الحضيض لم ‏يصل إليها أي رئيس فرنسي سابق.‏

‏2-‏ مات الملك عبدالله آل سعود، وخليفته يعاني من الأمراض الشديدة، والصراع على السلطة ‏في مملكة الرمال على أشده.. ومات سعود الفيصل.‏

‏3-‏ رحل حمدا قطر.. والأمير السابق حمد يتلوّى الآن في شوارع لندن من مرض السرطان.‏

‏4-‏ رحل رولان فابيوس، بعد أن سبقته هيلاري كلينتون، ومحمد مرسي يقبع الآن في السجن، ‏ومصر تؤكد أن جيشها الأول هو الجيش العربي السوري.‏

الخلاصة: سيرحل باراك أوباما بعد ثمانية أشهر، وسيستمر بشار الأسد قائداً لسورية ودولتها ‏الوطنية وشعبها.‏

أحمد شحادة