يُعتبر مشروع الأمم المتحدة لتوطين اللاجئين السوريين في لبنان، بدون مبررات قانونية أو ميدانية، وبطريقة بعيدة عن المنطق، حالة استثنائية لم تحدث من قبل، خصوصاً مع الشعب العراقي الذي تعرّض لإبادة جماعية أيام نظام صدام حسين، ومن ثم للغزو الأميركي، وبعده لغزوات "داعش" ولم تتحرك الأمم المتحدة بعمل مماثل، ولم تدعُ لتوطين العراقيين في الدول التي لجأوا إليها، بل أكثر من ذلك؛ فقد منعت فرنسا وأوروبا استقبال المسيحيين العرب قاصدي اللجوء، بحجة عدم إفراغ الشرق من المسيحيين، ولم تبادر للضغط على التكفيريين ورعاتهم لمنع اضطهادهم وقتلهم وهدم كنائسهم.
إذاً، لماذا يُطرح توطين السوريين في لبنان بالتزامن مع انطلاق التسوية السياسية، وبعد خمس سنوات من الحرب الدامية؟
المشكلة الأخطر أن بعض القوى السياسية اللبنانية تصمت بل ترضى بهذا التوطين، وتدافع عنه، وتحاول تجهيل الموضوع والتغطية عليه إذعاناً لأوامر إقليمية، وبالتلازم مع أحلامها، كما صرّح بعض وزرائها بأن فتح الحدود أمام اللاجئين السوريين كان لاستخدامهم بالعمل العسكري ضد المقاومة في لبنان.
إن متابعة الهدف من طرح توطين السوريين توصل إلى تبيين الأهداف الآتية:
1- إظهار النظام السوري وكأنه نظام يقوم بالإبادة الجماعية ولا يمكن إرجاع اللاجئين خوفاً على حياتهم، لكن الكارثة أن الأمم المتحدة وكل المنظمات الدولية لا تحمّل الجماعات المسلحة من المعارضة أي مسؤولية، وإذا كانت المعارضة تسيطر على 70% من الأراضي السورية كما تدّعي، فلماذا لا تسترجع المعارضة اللاجئين إلى مناطق سيطرتها، أم أن اللاجئين فروا من المعارضة ووحشيتها وليس من النظام؟
2- إذا كانت الأمم المتحدة تعمل لتوطين السوريين في بلاد لجوئهم بالتزامن مع المفاوضات، ألا يعني ذلك نعياً وإنهاءً للمفاوضات، وأنها فقط لتقطيع الوقت أو للتهيؤ لاجتياح جديد لسورية؟
3- توطين السوريين في لبنان بمنزلة مقدّمة لتوطين الفلسطينيين الأكثر أقدمية واندماجاً مع المجتمع اللبناني، والأقل عدداً من السوريين الذين لن يقف عددهم التصاعدي مادامت الحرب مستمرة والتواطؤ الداخلي والخارجي، ما يجعل اللبنانيين في وطنهم كـ"الهنود الحمر" في أميركا أقلية (اللبنانيون الحمر)، ما يؤدي إلى اختلال النسيج اللبناني والتوازنات الطائفية، والتي ستؤدي إلى خلل في التمثيل السياسي وتوزُّع السلطات، حيث لن يتجاوز عدد المسيحيين من 10 إلى 15% من سكان لبنان، بعد زيادة مليونين إلى ثلاثة ملايين من السوريين والفلسطينيين.
4- توطين السوريين والفلسطينيين سيؤمّن مقاتلين مدرَّبين بأعداد تفوق بأضعاف ما تستطيع المقاومة تجنيدهم، وهم غير محصورين في منطقة معيّنة، بل ينتشرون في كل لبنان، وحتى في عمارات المقاومين وأسواقهم، وعلى الطرق الدولية، وفي قلب العاصمة، وكل المدن، ما يريح "إسرائيل" من قتال المقاومة وصواريخها التي سيتم تعطيلها بالمعارك الداخلية؛ كما حصل في سورية والعراق، وكما صرّح وزير الحرب الصهيوني موشيه يعالون قائلاً: "ليس من المتعة أو السياسة ان تقتل عدوك بيدك، فعندما يقتل عدوك نفسه بيده أو بيد أخيه فإن المتعة أكبر، وهذه هي سياستنا الجديدة؛ أن نشكّل مليشيات للعدو فيكون القاتل والمقتول من الأعداء".
5- المقاومة والقوى الوطنية اللبنانية، على اختلاف انتماءاتها المسيحية والسُّنية، ستدفع الثمن من وجودها وأمنها، فإذا اشتعلت الحرب ضد المقاومة في الداخل فلن تبقى منطقة آمنة بعنوانها المذهبي، فلبنان بمساحته الصغيرة وترابطه الاجتماعي والتجاري والديني لا يمكن أن يتجزأ.. فليسارع الجميع لمقاومة التوطين إنقاذاً للبنان ولأنفسهم، فبعد التوطين لن يبقى زعماء مذاهب أو أحزاب وألقاب، فالجميع سيكون تحت رحمة الأفراد الجدد الذين يكفّرون كل الناس، بما فيهم السُّنة، ويكفّرون بعضهم بعضاً.
6- القبول بالتوطين قبول بإعدام الذات، وقبول بالاغتصاب السياسي، والعجيب أن البعض ينتظرون مستقبلهم الأسوَد على أيدي الأمراء "الدواعش" بابتسامة عريضة!