يجب ألا يكابر المسيحيون في لبنان، والموارنة بشكل خاص، في رفض الواقع المحيط برئاسة ‏الجمهورية، وأن نقطة ضعف موقع الرئيس هي في أنه رئيس كل لبنان من وجهة نظر بعض ‏الشركاء المسلمين في الوطن، وفي عهد الرئيس إميل لحود ترددت آراء واجتهاداتحول أن لحود ‏سيكون آخر رئيس جمهورية مسيحي للبنان، لكن هذا لن يحصل ولو بعد قرن من الزمان، بدليل أن ‏ميشال سليمان جاء بتسوية رضي بها المسلمون قبل المسيحيين، وبقاء الرئيس المسيحي سيبقى ‏مطلباً إسلامياً، لكن ليس بالضرورة أن يكون للمسيحيين الرأي القاطع والحاسم فيه.‏

وفيما رفض العراقيون، إعلامياً، "لبننة" العراق، عبر تكريس طائفية الرئاسات، وانتهوا إلى ‏رئيس جمهورية كردي مجرّد من الصلاحيات، ورئيس حكومة شيعي هو الحاكم الفعلي التنفيذي ‏للبلاد، ورئيس مجلس نواب سُنّي لسلطة التشريع، فإن المسيحيين في لبنان يحاولون إعلامياً ‏وسياسياً استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية التي انتزعها الطائف، في الوقت الذي ليست لهم ‏‏"مونة" لاختيار المرشح الذي يرونه مناسباً وممثلاً للغالبية الشعبية‎.‎

وإذا كان العراقيون على الأقل يحترمون الخيارات الكردية في ترشيح أو تزكية رئيس الجمهورية، ‏والذي لا تتعدى صلاحياته الأمور البروتوكولية، فإن المسيحيين في لبنان وإن كان الطائف قد أبقى ‏بضع صلاحيات لرئيس الجمهورية، فلا كلمة لهم في ترشيح أو تزكية رئيس الجمهورية أو قائد ‏الجيش، وباتت غاية طموحهم أن يتم انتخاب رئيس للكرسي الشاغر، بصرف النظر عن ‏صلاحياته، وارتضوا "العرقنة" وصلاحيات الرئيس العراقي الكردي الحالي فؤاد معصوم وقبله ‏جلال الطالباني‎.‎

ومن المؤسف أنه وسط الجو الإقليمي المحموم، بات مفتاح بعبدا في السراي، وأكثر الأمور عرقلة ‏لانتخاب رئيس للجمهورية، هي في شخصية رئيس الحكومة في عهده، وإذا كان المفتاح حالياً في ‏زنار الرئيس الحريري، مع عشرات النواب المعلَّقين في خاصرته، بانتظار أمر ملكي سعودي ‏بالإفراج عن المفتاح،وعن النواب، فإن لبنان يعيش عصر انحطاط سياسي وسيادي بامتياز‎.‎

لا تستطيع السعودية فرض رئيس في لبنان، لكنها بسهولة قادرة عبر الحريري ونوابه على عرقلة ‏انتخاب رئيس، ما لم يتأبّط الرئيس المنتخَب ذراع الحريري إلى السراي، لكن الحريري الذي ولج ‏أبواب الكرملين في زيارته الأخيرة إلى روسيا، لا يستطيع ولوج بوابات طرابلس وعكار وصيدا ‏والبقاع، وربما بيروت،في الانتخابات البلدية المقبلة، بالرغم من الحملة "الكاريتاسية" تحت اسم ‏‏"أفعال" التي أطلقها الثلاثاء الماضي لإنقاذ اللبنانيين من الفقر المدقع، ويبقى لبنان رهينة شخصية ‏سياسية ليست ذات حيثية شعبية سوى عبر المال الانتخابي، مع مخزون من النواب من موسم ‏‏2009، وتتحكم السعودية بالسوق كما تشاء، عبر مخزون انتهت مدة صلاحيته، وتستمر حكاية ‏‏"إبريق الزيت" لأن الحريري مرفوض سورياً، وغير مرضى عنه من جانب حزب الله والحلفاء‎.‎

الأمر ليس على طريقة "إلهام" ليلى عبد اللطيف؛ أن يكون أحد "الجانين" للرئاسة، ثم جان عبيد ‏وفق آخر إقفال لبورصة التنبؤات، لأنه كما انهارت "14 آذار" رسمياً، فإن "8 آذار" قد تشظّت، ‏وصراع المحورين انتهى بمغلوب ومغلوب، ورئيس الجمهورية بات يبتّ بأمره ربما المفتي أكثر ‏مما لدى البطريرك الراعي والأساقفة من كلام في هذا الأمر، ووسط الكباش الدموي السُّني - ‏الشيعي في الإقليم، فإن المسيحيين في لبنان هم حُكماً أول دافعي الأثمان‎.‎

حزب الله أوضح علناً أنه فور موافقة الرئيس سعد الحريري على تبنّي ترشيح العماد ميشال عون، ‏فهو جاهز في اليوم التالي للنزول إلى المجلس وانتخاب الجنرال كمرشح يصرّ عليه، لكن الحريري ‏غير جاهز لانتخاب الرئيس مادام حزب الله غير جاهز لقبوله في السراي، وتعود الكرة كما دائماً ‏إلى الصراع الإقليمي السعودي - الإيراني، خصوصاً في سورية، وبانتظار مدخنة قصر ‏المهاجرين فإن على بعبدا الانتظار ليس لتحديد من سيشغل كرسي الرئاسة الأولى التي بات رقمها ‏ثلاثة في أهمية الرئاسات، بل مَن مسموح له دخول السراي، وبعد ذلك ينتخب اللبنانيون أي "فؤاد ‏معصوم" كان، وعلى كرسي بعبدا ألف سلام‎.‎