يُسدل الستار في الساعات المقبلة عن قضية الوزير السابق ميشال سماحة. قضية شغلت الساحة اللبنانية والإقليمية منذ العام 2012 وحتى اليوم، وتسببت بانقسام الساحة اللبنانية، حتى وصل البعض إلى الهجوم على المحكمة العسكرية والمطالبة بتخفيض صلاحياتها.
أغلق اليوم ملف استمر لأكثر من أربع سنوات، وانتهت جلسات المحاكمات بمرافعة تقدم بها محامو الدفاع عن سماحة والمتمثلون بالمحامين صخر الهاشم وشهيد الهاشم ورنا عازوري. ويبقى مصير سماحة بيد محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طوني اللطوف الذي رفع جلسة مرافعة اليوم حتى اصدار الحكم الذي سيأخذ ساعات أو أيام قليلة.
تميزت مرافعات اليوم لمحامي الدفاع عن سماحة بأنها ركزت على الجانب السياسي لقضية سماحة وفق ما أشار الهاشم في بداية مرافعته، كما شددت المرافعات على أن الجرم الوحيد الذي يمكن أن يحاكم به سماحة هو نقل المتفجرات والسلاح. من جهتها طالبت النيابة العامة بفرض العقوبة على سماحة بناء على المواد الجرمية المتهم بها.
ولأكثر من ساعتين، استمرت المرافعات اليوم التي وصفها صخر الهاشم بالهادئة، وفي نهايتها تم توقيف سماحة في نظارة المحكمة العسكرية إلى حين إصدار الحكم.
واستهل القاضي لطوف جلسة اليوم بإعادة تعليل أسباب رفضه لطلبات فريق الدفاع المتمثلة باستدعاء ميلاد كفوري وعدم دعوة خبير متفجرات لإيضاح إن كانت المتفجرات جاهزة للاستعمال ولا استدعاء كاتبي المحاضر السرية للاجتماعات بين سماحة وميلاد كفوري، وذلك ردا على طلب المتهم للمحكمة بالرجوع عن قراراتها السابقة. وخلال تلاوة لطوف لتعليل المحكمة، ضحك صخر الهاشم قائلا "الأقوال المنسوبة لي لم أقلها في الجلسات السابقة"، فأجابه لطوف "ما تقوله أنت غير صحيح"، ومن ثم تابع كلامه.
ومن ثم كان دور المحامي العام التمييزي القاضي شربل بو سمرا للمرافعة، الذي رأى أنه "في ضوء ثبوت الوقائع المسندة على المتهم نطالب تطبيق مواد الاتهام وتوقيع العقوبة المنصوص عليها في تلك المواد"، أي المواد الجرمية المتهم بها سماحة.
" ضحية عمل مخابراتي"
ومن ثم وجه صخر الهاشم ملاحظتين للمحكمة، الأولى أن "الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية هو حكم إدانة وطلب النقض المقدم من مفوض الحكومة لدى المحكمة كان مخالفا للقانون"، والثانية أن "حقوق الدفاع كانت ستستجاب أكثر لو أن المحكمة أمنت طلبات فريق الدفاع".
وبدأ مرافعته، إذ اعتبر أن "سماحة استهدف لعلاقته بالنظام السوري وكان ضحية عمل مخابراتي قامت به بعض أجهزة المخابرات المحلية والاقليمية والدولية"، لافتاً إلى أن "جرم سماحة الوحيد أنه نقل المتفجرات تحت تأثير استدراج كفوري له". وأكد الهاشم أن "مثول سماحة اليوم أمام المحكمة دليل على أنه ليس ارهابيا". وتوجه الهاشم إلى سماحة قائلا "ميشال وقاف"، وقال للقاضي "أطلب من المحكمة أن تنظر إلى المتهم، هل هذا منظر إرهابي؟ هل سيرته تدل على انه ارهابي؟"، معتبراً أنه "منذ حوالي الشهر تقريباً بدأت الأحكام تصدر على سماحة من قبل بعض السياسيين ومن قبل وسائل الاعلام وحتى من قبل البعض في الحكومة ومن قبل بعض الوزراء العرب في جامعة الدول العربية"، وآملا من المحكمة أن لا تتأثر بالضغوط الخارجية.
وأكد الهاشم أن الهدف من عملية استدراج سماحة كان الوصول إلى رأس السلطة في سوريا، لافتاً إلى أنّ "رئيس فرع المعلومات الشهيد وسام الحسن في إحدى مقابلاته قبل اغتياله راى أن قضية سماحة تضع لبنان في مواجهة النظام السوري والهدف من هذه القضية الوصول إلى الرئيس السوري بشار الأسد"، ومؤكداً أنه "لا مشكلة بأن يذهب ميشال سماحة إلى الإعدام لو حضر ميلاد كفوري وحكمت المحكمة وفق جلسة يتواجد فيها المتهمون ولا تكون one man show".
"ضحية استدراج ممنهج"
ثم جاءت مرافعة المحامي شهيد الهاشم الذي ركز على موضوع استدراج المتهم من قبل ميلاد كفوري، ودعم رأيه بأمثال وشواهد من محاكمات لبنانية وغير لبنانية عن مفهوم الاستدراج، وخلص إلى "إبطال التعقبات بحق المتهم كون فعله جاء نتيجة استدراج مخبر أمني له ولعدم توافر عناصر المحاولة للجريمة وكون الأفعال المنسوبة له هي جرائم مستحيلة أو لعدم توافر العناصر الجرمية أو للشك والا استطرادا منحه أوسع الأسباب التخفيفية". وتمنى شهيد الهاشم أن تأخذ المحكمة قرارها بعيداً عن الضغوطات الخارجية قائلا "اتخاذ القرار هو امتياز اعطي لأهل الخبرة والحكمة وانتم أهل لها فلتصدروا أحكامكم خارج الآراء التي أعطاها الجميع خارج المحكمة".
وآخر المرافعات كانت للمحامية رنا عازوري التي شددت على أن "المتهم وقع ضحية استدراج ممنهج"، لافتة إلى أن "سماحة لم يكن يملك مشروعاً اجرامياً بل ميلاد كفوري هو من خلق المشروع الاجرامي". وبما يخص الجرائم المتهم بها سماحة، رأت عازوري أن "هناك استحالة بأن يكون هناك محاولة لعدم توافر هذه المحاولات وكون الجرائم المتهم بها مستحيلة".
واستندت عازوري في مرافعتها على جانبين، الأول هو "هل ان سماحة وقع ضحية استدراج ممنهج من فرع المعلومات أم انه كان لديه مشروع اجرامي وساهم المخبر ميلاد كفوري بالكشف عن هذا المخطط"، والجانب الثاني أن "عنصر بدء تنفيذ العمليات غير موجود في ملف سماحة وبالتالي كافة الأعمال المتهم بها لم تصل إلى مرحلة التحضير".
وأكدت عازوري أنه "من غير المسموح لأي سلطة أن تقوم بخلق مشروع جرمي وارسال مخبر لاستنباط الجرم"، واصفة كفوري بالمحرض وسماحة بالضحية، ومطالبة ببراءة سماحة من تهم المواد 549 و335 عقوبات والمواد 5و6 من قانون الارهاب.
استغلال سياسي!
وعند انتهاء المرافعات، كانت الكلمة الأخيرة، في ملف الأربع سنوات للمتهم الأول ميشال سماحة. وقف سماحة مخاطباً الجميع، موزعاً نظراته على جميع الحاضرين. بكل ثقة شدد سماحة على أن "هذه القضية هي استغلال سياسي"، وقال: "شخصي السياسي هو المستهدف لإبعادي عن مساري الوطني الذي تميزت به". وروى سماحة مسار حياته الطويل في حماية السلم الأهلي في لبنان وبناء جسور التواصل بين الطوائف، لافتاً إلى أن قناعته دائماً قائمة على وحدة لبنان وسلمه الأهلي ، ومؤكداً أنه لم يخالف القانون يومًا، "ولو أنني خالفت واختلست وارتكبت مرة لكان منذ توقيفي انتشر كل ما قمت به".
وقال سماحة: "استهدفت لأنني نجحت في خرق جدارات في الغرب والفاتيكان وأوروبا حول ما يجري في لبنان وسوريا وتبين أن كل ما كنت أحمله من هواجس على لبنان كانت صحيحة وتحققت بعد توقيفي"، وأضاف: "انني موقوف ويتاجر بي سياسيا بينما يخرج الدواعش من السجون ليعتدوا على الجيش اللبناني".
وإذ أكد سماحة أنه نقل متفجرات وأسلحة في صندوق سيارته بما يسعه هذا الصندوق، رأى أن "19 جولة مواجهات عاشتها طرابلس واستخدمت كميات كبيرة من الأسلحة وخرج المتهمون من السجن دون أي تمييز من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية".
وأوضح سماحة انه "بسبب نجاحي عام 2012 وشكلت خطرا على المشاريع الكبيرة تم تدبير مكيدة لي من قبل جهاز أمني لبناني عبر عميل محرض ومستدرج ليس سرياً لأن المدير العام لقوى الأمن الداخلي كان قد أعلن عن اسمه وقدم له الدروع التكريمية وانشهر اسمه"، فقاطعه بو سمرا قائلا "السرية منوطة بالنيابة العامة طيلة القيام بعمله وليس من شأننا ما يفعله بعد انتهاء مهامه"، فقال سماحة "لا تحرموني حقوقي في مواجهة كفوري أمام هذه المحكمة".
وختم سماحة قائلا "ما استهدفت به يمكن أن يستهدف به أي مواطن لبناني من قبل هذا الجهاز"، مطالباً بوضع حد "لهذه الآليات غير القانونية في المخابرات وذلك عبر حكم المحكمة البعيد عن الأجواء السلبية التي تم خلقها في الإعلام".
وعند انتهاء سماحة من كلامه، رفع القاضي لطوف جلسة المرافعة إلى حين صدور الحكم، الذي قد يصدر "اليوم أو غد أو بعد غد" حسب تعبير لطوف. ومن ثم وضع سماحة قيد التوقيف في نظارة المحكمة العسكرية حتى إصدار الحكم.
اقترب مصير الوزير السابق ميشال سماحة في قضية فاقت تداعياتها حدود الوطن، تداعيات لن تنتهي بإصدار الحكم، بل ستتفاقم مهما كان الحكم. إذا ساعات تفصلنا عن إقفال واحد من أبرز الملفات على الساحة اللبنانية. لكن، وحتى بعد انتهاء هذا الملف، هل سيبقى مصير المحكمة العسكرية وصلاحياتها محل صراع بين جميع الأفرقاء السياسيين؟ أم أن طبيعة الحكم على سماحة سيمنح معارضي المحكمة الرضا عنها؟