على وقع ملفات الفساد المتعدد الأوجه، التي تفتح على الساحة اللبنانية، خرج رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط، ليكشف عن الحقيقة "المُرّة"، عبر القول: "بعض الناس لم يعد يصدقني عندما أتكلم حول الملفات التي تفوح منها الشبهات"، في بلد يسيطر فيه الفراغ على موقع الرئاسة، وسط شلل قاتل في باقي المؤسسات، لا سيما مجلسي النواب والوزراء، والدليل، العجز عن حل ملف جهاز أمن الدولة، مع العلم أن من المفترض إبقاء الأجهزة الأمنية، في ظل المخاطر القائمة، بعيداً عن كل هذه السجالات.
ما الذي يحصل في الوقت الراهن؟ لا أحد يملك جواباً واضحاً من المسؤولين اللبنانيين، إلا أن الأكيد هو أن الملفات المشبوهة فتحت مرة واحدة، من الفساد في قوى الأمن الداخلي وصولاً إلى أمن مطار بيروت الدولي، مروراً بشبكات الدعارة والإتجار بالبشر وأزمة ما اصطلح على تسميته بالإنترنت غير الشرعي، من دون إهمال ملف تركيب الكاميرات الخاصة بالعاصمة بيروت، مبشرة بانهيار "الهيكل" على رأس الجميع، خصوصاً أن أحداً لا يتوقع وصول التحقيقات إلى نتيجة تُذكر، لكن ربما يتم إستثناء محاسبة صغار المرتكبين في هذه المخالفات أو الجرائم.
من وجهة نظر مصادر متابعة، الكارثة ربما تكون في النتيجة أكبر، لا سيما إذا ما كانت المعالجة على طريقة حل أزمة النفايات، حيث المحاسبة في ملف شركتي سوكلين وسوكومي أدّت إلى بروز مشاكل جديدة، متمثلة بمشاريع المطامر المنتشرة على طول الشاطىء اللبناني، بعد أن تحولت القضية إلى أزمة طائفية، مع العلم أن الإعتراضات لا تزال مستمرة، خصوصاً على صعيد موقع الكوستابرافا، حيث عادت الأصوات لترتفع من جديد، بعد أن تبين أن المطمر الصحي هو عبارة عن مكب عشوائي لا أكثر.
وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن هناك قطبة مخفية ما وراء ما يحصل، حيث الجميع يدرك أن "صحوة" الضمير الحالية لا تأتي من فراغ، بل ربما تعود إلى أسباب لا علاقة لها بالعمل على مكافحة الفساد، خصوصاً أن غالبية القوى السياسية متورطة بملفات لا تنتهي، ولا يمكن إستثناء أي منها في هذا المجال، حتى تلك التي لم تتورط لكنها كانت شاهد زور على مدى سنوات طويلة، لكن السؤال اليوم هو عن سبب تحركها راهنًا، طالما أن المعلومات التي لديها، بحسب ما تعلن، تؤكد بأن هذا الواقع ليس بجديد على الإطلاق.
بالنسبة إلى المصادر نفسها، ما تحدث عنه النائب جنبلاط هو جزء من المشكلة القائمة على صعيد الواقع اللبناني، المتمثلة بتراجع أو إنعدام مفهوم المحاسبة بشكل عام، بالتزامن مع غياب الإهتمام بالشأن العام لدى فئة واسعة من المواطنين، بسبب تراكم الإحباط الإجتماعي من إمكانية التغيير في ظل التركيبة الحالية، بالإضافة إلى إرتكاز الوظيفة العامة على مبدأ المحسوبية أولاً وأخيراً بعيداً عن معايير الكفاءة أو الأهلية، الأمر الذي يُترجم بالإنكفاء عن المشاركة في التحركات الشعبية أو الإنتخابات البلدية أو النيابية، لتكون صورته إنعدام الثقة بما يقوله المسؤولون السياسيون من كلام، حتى ولو كانوا صادقين هذه المرة، فالتجارب التاريخية لا تصب في صالحهم، بل على العكس من ذلك تشجع على رفض ما يصدر منهم، مهما كانت المعلومات مهمة أو الفضيحة كبيرة.
وفي حين تلفت المصادر المطلعة إلى أن أي إستطلاع للرأي قد يجري، سيثبت أن اللبنانيين لا يؤمنون بأن التحقيقات، في القضايا المُثارَة، ستصل إلى نهايتها، تشير إلى أن الرهان كان من الممكن أن يكون على السلطة القضائية، إلا أن واقعها لا يختلف كثيراً عما هو قائم على الصعيد الوطني العام، وتشدّد على أن المعالجة يجب أن تكون عبر تعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات الرسمية قبل أي شيء آخر، لا عبر تفجير الأزمات المتتالية من دون الوصول إلى نتيجة، نظراً إلى أن هذا الأمر قد يؤدي إلى تداعيات عكسيّة، ربما تكون خطيرة جداً، إذا ما أدت إلى إنهيار الهيكل بشكل دراماتيكي.
في المحصلة، صدق "البيك" بأن المواطنين فقدوا ثقتهم بما يقوله، مع غيره من الأقطاب السياسيين، ولكن كيف من الممكن أن تكون النتيجة في ظل الأوضاع الملتهبة على المستويات كافة؟