اليوم ذكرى 13 نيسان، وهو اليوم الذي يذكره اللبنانيون بمزيد من الاسى لانه اعلن بشكل رسمي بداية ‏حرب "حرقت" لبنان وقلوب ابنائه، حرب عالمية المصالح نقلت هذا البلد من واحة خضراء الى صحراء ‏قاحلة خلال اشهر، وزرعت فيه دودة لا تزال تنخر في جسمه حتى يومنا هذا.‏

لن نعود الى تفاصيل الحرب ومآسيها وهي التي اقتحمت كل منزل وتركت بصماتها السوداء على ‏العائلات والمناطق، ولكن من المفيد جداً التوضيح ان وزرها لا يزال ملقًى علينا، وشبحها يرافق اللبنانيين ‏في كل لحظة، وخطرها جاثم على صدورنا وصدور اولادنا، اي بمعنى آخر هي عادت الينا انما بوجوه ‏اخرى.‏

كل مشكلة نعاني منها في لبنان تثبت انها لا تزال حاضرة وان كلمتها مسموعة وبقوة. فحين نعلم ان ‏الاطفال التي تلد تحمل معها الى هذا العالم ديناً ثقيلاً لايفائه بعد سنوات، فهذا مشروع صالح لاندلاع ‏حرب، لان المال غالباً ما يكون السبب وراء الحروب، ولا مشكلة في عدد القتلى والجرحى واليتامى ما دام ‏الهدف "الاسمى" سيحقّق مصالح دول كبرى وهي التي ستترك فتات الارباح لامراء الحرب الصغار.‏

وحين تستمر الدول الاقليمية والدولية في تقرير مصير لبنان، والتدخل في كل شاردة وواردة تحت ادعاءات ‏كاذبة منها الحرص على الطوائف والمذاهب، ومنها ضمان عدم المس بالسيادة والاستقلال، فهذا بحد ذاته ‏سبب اكثر من كاف لاندلاع حرب، لأن مصالح الدول لا يمكن ان تتلاقى مع مصلحة بلد، وهذا ما يمكن ‏تلمسه مع دول كثيرة تتعامل مع بعضها على قاعدة احترام السيادة والاستقلال، فكم بالحري اذا كانت هذه ‏القاعدة غير محترمة بالنسبة الى التعامل مع لبنان؟

وحين يتحول بلد صغير جداً بمساحته الجغرافية، الى مساحات واسعة كافية لاستقبال نحو نصف عدد ‏سكانه من اللاجئين والنازحين، وحين لا يتقيّد هؤلاء بالقانون وقواعد الضيافة التي من المفترض ان تكون ‏موقتة الى ان يعودوا الى بلدهم، فهذا ايضاً سبب رئيسي لاندلاع الحروب وعلى نطاق واسع وهو ما حصل ‏تماماً، ولم يكن الدرس الاول والاخير للاسف.‏

وحين يكون القضاء في لبنان هشاً، ويطبّق في اوقات محددة وهو محط شكوى من الجميع وفي الوقت ‏نفسه يحظى بثقة الجميع، فهذا دليل على ان الحرب رابضة على الابواب، اذ ليس هناك من رادع. فقضايا ‏الفساد والهدر وعمليات التهريب والسرقات والفضائح التي تغرق وسائل الاعلام بنشر تفاصيلها كي تطوى ‏صفحتها بعد ايام فقط، تجعل من الجميع مشروع شخص مخالف للقانون وغياب العقاب يشجع على ‏ارتكاب المخالفات والجرائم.‏

وحين نرى ان المسؤولين والزعماء في لبنان لا يزالون يتوارثون الزعامة منذ ايام ما قبل 13 نيسان 1975، ‏فهذا يبشّر بأن فكر الحرب "مزروع" في الرؤوس وهو حاضر ولا يحتاج الى الكثير من التحضير، ولن ‏يكون من الصعب إعادة عقارب الساعة الى الوراء عند الضرورة وفور توفر غطاء خارجي.‏

وحين نرى ان شريحة من اللبنانيين لا تزال تراهن على المسؤولين والزعماء انفسهم، وتقوم بـ"غسل دماغ" ‏اطفالها لسماع وتنفيذ ما يقوله هذا الزعيم او ذاك، فهذا يعني بما لا يقبل الشك ان الحرب تعيش في ‏النفوس ايضاً وهي مشروع لم ينته في الماضي ولا يزال حياً في الحاضر وسيستمر في المستقبل.‏

قد يقول البعض ان ما كتب يتّسم بالتشاؤم وهو نظرة غير شاملة عما يعيشه لبنان راهنًا، فهو البلد الاكثر ‏استقرارا ً في المنطقة حالياً، وهو المفعم بالحرية والجرأة وقول الحقيقة. ولكن، هل ما كتب هو غير ‏صحيح؟ وهل يمكن حتى للمتفائلين ان "يضمنوا" ان المشاكل التي عانى منها لبنان منذ الحرب وحتى ‏اليوم ستتغير وستنتهي؟ وهل لأحد ان يؤكد أنّ أولادنا سيعيشون في بلد يضع القانون فوق كل شيء ‏ويضع المصالح العامة قبل الشخصية ولن يسمح بالتدخلات الخارجية في شؤونه؟

ان الجيل الذي عايش الحرب التي اندلعت منذ العام 1975، يراها تعود مجدداً انما من بوابات عدّة غير ‏‏"بوسطة عين الرمانة"، فهل سيعيد احد في المستقبل كتابة هذه السطور في 13 نيسان للاعوام المقبلة؟