إنَّه "شيخ الصُلح" كما دُعِيَ خلال الدولة العثمانيّة! إنَّه "الضابط العدلي" كما يَصِفه القانون! إنَّه "صِلَة الوَصْل" بين المواطنين والإدارات الحكوميّة! إنَّه "نواة إداريّة فرديّة لامركزيّة" كما يَعتبرُه البعض! إنَّه "مالِكُ الخَتْم" الذي لا غِنى عنه! إنَّه "وكيل الجميع" مُحبين ومُبغضين! إنَّه "المختار" كما لقَّبه الانتداب الفرنسي ومِن ثَمَّ الدولة اللبنانيّة.
شهرٌ يفصلنا عن الانتخابات البلديّة والمخاتير حيث من خلالها نُعبِّر ونختار بكل حريتنا وضميرنا مَن سيُمثلنا في المجلس البلدي وفي الحَي "الحارة" أو في القرية أو في البلدة، ومَن سيُدير شؤوننا اليوميّة والإداريّة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. شهرٌ يفصلنا عن ممارسة حقنا الطبيعي في التعبير عن رأينا في الحياة الاجتماعيّة والإداريّة التي نلامسها يوميّاً والتي تُلامِسُ أنامِلنا في كلِّ معاملةٍ إداريةٍ أم حكوميّةٍ أم وجوديّةٍ.
كَثرَ الحديث في الآونة الأخيرة حول الانتخابات البلديّة اللبنانيّة وحول حصولها أم تأجيلها كما حصل لدورتين للانتخابات النيابيّة؛ لكنني لم أقرا ولم أسمع حتى الآن أحداً تكلَّم عن انتخابات المخاتير أو عن أهميّة ودور المختار في حياتنا اليوميّة، ويا للأسف! أيا تُرى هل هو ذاك الجندي المجهول؟
لقد ترعرت في زمن الحرب اللبنانيّة واستمر مختار حارتنا، الذي خدمها بكل وفاء، لسنين كثيرة بسبب استمرار الحرب ولم يستطع آنذاك احد ممارسة حقّه الانتخابي الطبيعي. وأما اليوم، فبالرغم من كل الغيوم الضبابيّة التي تمر على بلدي لبنان وعلى مدينتي زحلة، لا أرى حاجةً لتأجيل الانتخابات البلديّة وتلك التي تخص المختار أو إلغائها لسببٍ ما، ولِمَنعي من ممارسة حقي الانتخابي الاجتماعي.
صباحا، ظهراً ومساءً ألتقي به، ألجأ إليه، أطلب منه، استشيره، أُقدِّم له المستندات، يَطلُب منّي الأوراق والصُوَر، يختُم معاملاتي ويُتابعها، يلصِق الطوابع،... هو ذاك الشخصٌ الذي أدعوه "المختار"! إنَّه موكِّلي لدى الدولة اللبنانيّة ولدى الادارات الرسميّة وممثلي لدى القوى الأمنية. هو ذاك المُنتخَب من قِبل المواطنين لتسيِير أمورهم الحياتيّة اليوميّة والذي يُعامِل ويَخدُم الجميع بطريقةٍ متساوية غير مُبالٍ بالطائفة أو بالدين وغير ناظرٍ إذا كان الشخص المُقابل له من الذين انتخبوه أم لا. إنه من مسافةٍ واحدةٍ مع جميع وهو للجميع.
يا أيها الجندي المجهول اليومي، أستطيع أن أكرِّمك فقط بمحبتي لك، أستطيع أن أقول لك فقط كلمة "شكراً"، أستطيع أن أطلُب لك فقط طول العمر والصحة والعافية، أستطيع أن أشكرك للوساطة اليوميّة التي تقوم بها بيني وبين المؤسسات الحكوميّة واللاإداريّة الرسميّة وبين الآخرين... أنت هو الجندي الذي يُدافِع عنّي والمُصلِح الاجتماعي الذي أستتر تحت كنَفِه والشخص الذي لا غِنى عنه في حياتي اليوميّة.
فهَلمَّ بنا لنُبادر بترشيح أنفسنا أيها الذين يستطيعون أن يقوموا بدور المختار، وأن نمارس حقَّنا الانتخابي في الشهر المُقبِل بضمائر نقيّة، بعيدة عن مصلحة شخصيّة، شاخصين نحو المصلحة العامة وخير المدينة والبلد.
شكراً لك ويليق بك لقب "مختار المخاتير" أيها المختار الأمين.