في العام 2012 كتب الصحفي الأردني نصري المجالي (المقرَّب من العرش المَلَكي) أن الجواب الذي تتهرب منه المملكة العربية السعودية حول سبب تأخُّر عقد سلام مع "إسرائيل"، هو الوضع النهائي لجزيرتي صنافير وتيران السعوديتين على مدخل خليج العقبة في البحر الأحمر، وحرية الملاحة "الإسرائيلية" في المنطقة، علماً أن "إسرائيل" شنّت الحرب عام 1967، بعد إقفال الرئيس عبد الناصر مضيق تيران أمام حركة السفن "الإسرائيلية"، وجسر الملك سلمان المزمع إقامته بين شرم الشيخ المصرية ورأس تبوك السعودية هو مشروع قديم، حمل سابقاً اسم الملك فهد عام 1988، والملك عبدالله عام 2007، ورفضَه الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك مراراً، نتيجة ضغوط أميركية و"إسرائيلية"،خصوصاً أن إقامة الجسر ستغيّر من الطبيعة الجغرافية والسكانية لشبه جزيرة سيناء، وهذا ما كانت ترفضه "إسرائيل".
ومع إعلان الاتفاق على إقامة جسر سلمان، دخل الشارع المصري في حالة جدل ساخن، بعد إعلان الحكومة المصرية أن الجزيرتين هما ملكية سعودية ومصر مكلَّفة بضبط الأمن فيهما منذ عقود،بالتنسيق مع قوات دولية، فيما المواطنون المصريون يقولونإنهم على مدى أجيال كانوا يتلقّنون في الكتب الدراسية أنهما ملكية مصرية، فما الذي طرأ وتم تقديم الجزيرتين هبة للسعودية، سوى رد جميل على الهبات و"المكرمات" السعودية، إلى دولة التسعين مليون نسمة،ترزح الغالبية الساحقة من شعبها تحت خط الفقر؟
الاتفاق الرسمي السعودي - المصري على إقامة الجسر نال حتماً رضىً "إسرائيلياً" مسبقاً، مع حق "إسرائيل" في مراقبة مراحل التشييد، والمشاركة في إدارة الجسر، وضمان حريتها في الملاحة، لكن الرضى "الإسرائيلي" المستجد هو نتاج ما يُحكى عن نوايا سعودية للتطبيع مع الكيان الغاصب، ويكفي ما نقلته القناة العبرية الأولى من أن المليارات الأربعة التي كانت مخصَّصة للجيش اللبناني تم تحويلها لمصر، تقديراً لموقف الشركات المشغِّلة لـ"نايل سات" و"عربسات" في وقف بث قناة "المنار"، وقبلها قناة "الميادين".
صحيح أن مصر بحاجة إلى "مكرمات" تُنقذها جزئياً من "المجاعة"، لكن حاجة السعودية إلى مصر أكبر، ليس لأن حجم مصر القومي تراجع لأسباب اقتصادية وأمنية وسياسية داخلية لصالح "القومية المعاصرة" بالنسخة السعودية، بل لأن استمرار كرسي الرئاسة المصرية مستحيل دون تحقيق إنجازات اقتصادية ليست سوى السعودية قادرة على تمويلها، مقابل ارتداء الملك السعودي عباءة العروبة المزيَّفة، بعد أن اندحر على كافة جبهات العروبة؛ عروبة سترتحل إلى غير رجعة على "جسر سلمان"، لأنه لن يغني عن الجسور التي تقطعت بين العرب بأيدٍ سعودية وتمويل سعودي، وبالتالي لن يُنقذ المملكة من حتمية المهلكة.
حصيلة ما آلت إليه أوضاع السعودية أن اقتصادها انهار، وصراعات الأجنحة العائلية فيها تهزّ العرش، وما استجد من تغيير جذري وسط الرأي العام الأميركي والأوروبي بأنها صانعة الإرهاب ومموِّلته، وردود الفعل السلبية من البرلمانات الأوروبيةلامست نبض الشارع الشعبيفي كراهية العرب، ووصلتإلى حدود عدم تجرؤ رجل خليجي على ارتداء الدشداشة في الشارع الغربي، ولا لسيدة خليجية بالتجول بلباسها الشرعي، كل هذه التطورات الدراماتيكية جاءت طبيعية نتيجة ارتكابات آل سعود في الوسط العربي، وصولاً إلى قرع الإرهاب كل بيت أوروبي، وجعل الجيوش الأوروبية تقف عند حدودها الداخلية للحماية الذاتية، مع اهتزاز وحدة الاتحاد الأوروبي وتعليق العمل باتفاقية "شنغن".
قد لا يبقى للسعودية مجال للاستدارة، لأن أوراقها احترقت بنار "الربيع العربي"، والكويت مؤخراً تمايزت عنها، وتستضيف المفاوضات اليمنية - اليمنية خلال الأسبوع المقبل، وتمايزت عنها أيضاً في نأي الشارع الكويتي السُّني - الشيعي عن المغامرات السعودية المذهبية، والعراق الذي يتمتع جنوبه الشيعي بالأمان وشماله الكردي بنوع من الاستقلال عن تداعيات ما يحصل في الوسط السُّني، خصوصاً في الأنبار وديالى وصلاح الدين ونينوى، قد جعل من إيران الثقل الموازي لمحاولات الهيمنة السعودية المدمّرة، وقطر لها مصالحها التي تتناقض مع المصالح السعودية، ومؤخراً توتر في العلاقات مع الإمارات على خلفية عزل الرئيس اليمني الفاقد للشرعية عبد ربه هادي منصور لنائبه ورئيس وزرائه خالد البحاح؛ المحسوب على الإمارات، وتعيين علي محسن الأحمر المحسوب على السعودية مكانه في نيابة الرئاسة، وهي آخر محاولة سعودية استباقية لمنع بحاح من الوصول إلى الرئاسة في حال تقرر في اجتماع الكويت إخراج هادي من المعادلة السياسية اليمنية كشرط للتوافق واستمرار الهدنة التي بدأت في اليمن قبل أيام.
بين دول المغرب العربي المتمسكة بالقومية العربية، ومواقف لبنان وسورية والعراق وسلطنة عُمان من رفضالمغامرات السعودية القاتلة، جسور قد انقطعت بين المحورين، ولن يعوض عنها "جسر سلمان" بشيء، وما على السعودية سوى إقامة الأحلاف الورقية منذ تشكيل "القوة العربية المشتركة"،إلى "التحالف الإسلامي"، وصولاً إلى "التحالف الاستراتيجي" مع تركيا، لكن كل هذه الأحلاف لن تنقذ المملكة، وتبقى سورية الصامدة في وجه "عرب آخر الزمان" مركز الزلازل وانهيار الأنظمة والعروش، وهنيئاً لكل بلد عربي لديه جسر تواصل مع عروبة سورية ضمن سقف الكرامة العربية، بعد انهيار السقوف المستعارة وممالك الكرتون.