منذ أكثـر من شهر ونيّف، وتـحديداً فـي الرابع من شهر آذار، كتبنا مقالاً تـحت عنوان "من أجل إنتخابات بلدية وإختيارية نزيهة وشفافة"، أثرنا فيه عدة نقاط، وتقدّمنا بعدة إقتـراحات، وطالبنا معالـي وزير الداخلية الأستاذ نـهاد الـمشنوق أخْذ هذه الإقتـراحات على مـحمل الـجدّ كي تكون الإنتخابات البلدية والإختيارية سنة 2016 إنـموذجاً يُـحتذى فـي الإنتخابات النيابية الـمقبلة. ولكن إلى الآن، لـم يصدر عن وزارة الداخلية أيّ قرار أو تعميم يعالـج الـمشكلات الـتـي ستواجهها العملية الإنتخابية. فحرصاً منا على سلامة العملية الإنتخابية وعلى تذليل كل العقبات التـي تواجهها، وحفاظاً على الدستور والقانون، نطالب وزير الداخلية بإتـخاذ الإجراءات التالية :
أولاً: السماح للناخبيـن الذيـن ليس لديـهم هوية أو جواز سفر باستعمال القيد الإفرادي الذي لـم يتجاوز تاريـخه الثلاثة أشهر، لأن هناك أكثـر من 150,000 ناخب - باعتـراف وزير الداخلية - ليس لديـهم هويات. وهناك أيضاً حوالـي 150,000 ناخب لـم يسحبوا هوياتـهم من دوائر النفوس! (لـم يذكر الوزير السبب، ولـماذا لـم يُكلّف الـمخاتيـر بـهذه الـمهمة ? فـما على دوائر النفوس إلاّ الإتصال بالـمخاتيـر وإعطائـهم أسـماء أصحاب الـهويات فـي مناطقهم).
إذاً، هناك حوالي 300,000 ناخب لن يتمكّنوا من الإقتـراع إذا لـم تسهّل لـهم وزارة الداخلية أمورهم، ولـن يستطيع كل هؤلاء الـحصول على جوازات سفر لأن القسم الأكبـر منهم غيـر قادر على دفْع مبلغ 60,000 ليـرة رسْـم الـجواز لسنة واحدة. والغريب والـمُستهجن هو إعتماد جواز السفر بدلاً من القيد الإفرادي، مع العلم أن الـمعلومات الـموجودة على جواز السفر ناقصة، إذ لا يُسجّل على الـجواز أهمّ مستندين أساسييـن فـي عملية الإقتـراع، وهـما مـحل ورقم القيد، وهذا ما يـجهله الكثيـرون.
فإذا كان القيد الإفرادي مفروضاً على كل مرشح للإنتخابات كي يُقبل ترشيحه، فمن البديـهي أن يـحلّ هذا القيد مـحل الـهوية فـي حال عدم وجودها وليس جواز السفر.
ثانياً: زيادة عدد الأقلام فـي كل مركز بـحيث لا يتجاوز عدد الناخبيـن فـي كل قلم الـ 500 ناخب، كي يتمكّن الناخب من الوصول بسهولة إلى صندوق الإقتـراع من دون الإنتظار ساعات طويلة خارج القلم، مـمّا يسبّب الفوضى والـمشاكل والتلاسن بيـن الناخبيـن، وانسحاب عدد كبيـر من الناخبيـن دون أن يقتـرعوا. بـمعنـى آخر، يـجب تدريب أكبـر عدد من الـموظفيـن من أجل زيادة عدد الأقلام فـي كل مركز.
ثالثاً : كي لا تقع الوزارة بنفس الـخطأ الذي حصل فـي إنتخابات 2010، حيث أُلغيت آلاف الأوراق بسبب عدم تـمييز الناخبيـن بيـن صندوق البلدية وصندوق الـمختارين، وأعطينا مثلاً واقعياً فـي منطقة الـجديدة البوشرية السد، حيث أُلغيت 490 ورقة من أصل 7520 ورقة، أي 6.50 % من عدد الـمقتـرعيـن، لأن لوائـح البلدية كانت موضوعة فـي صناديق الـمختارين، والعكس أيضاً.
فإذا كانت وزارة الداخلية والبلديات لا تستطيع لأسباب لوجستية أو لنقص فـي عدد الـموظفيـن من وضْع صندوق البلدية فـي غرفة، وصندوق الـمختارين فـي غرفة أخرى، (وهذا هو الـحلّ الأنسب)، فلا يوجد عندئذ سوى الـحلّ الآتـي:
أ - وضْع صندوقيـن بلونيـن مـختلفيـن داخل كل قلـم : صندوق بلون أحـمـر للإنتخابات البلدية، وصندوق آخر بلون أبيض للإنتخابات الإختيارية.
ب - طبْع مغلّفات بنفس اللونيـن : الأحـمر للبلدية، والأبيض للـمختاريـن.
ج - وهي النقطة الأهمّ. عدم إعطاء الناخب مغلّفيـن دفعة واحدة. بل يُعطى مغلّف البلدية ذو اللون الأحـمر أولاً، ويقول له رئيس القلم بصوت عالٍ "أنت الآن تنتخب بلدية"، فيذهب الناخب وراء العازل ويضع اللائـحة التـي إختارها، ثـم يـخرج ويضع الـمغلّف فـي الصندوق الأحـمر. وبعدها، يُعطى الناخب مغلّف الـمختارين ذو اللون الأبيض، ويقول له رئيس القلم "أنت الآن تنتخب الـمختارين"، فيذهب مرة ثانية وراء العازل ويضع اللائحة التـي إختارها، ثـم يـخرج ويضع الـمغلّف فـي الصندوق الأبيض.
بـهذه الطريقة فقط نستطيع تفادي الأخطاء التـي وقعت سابقاً وتقليص عدد الأوراق الـملغاة إلى حدّ معقول ومقبول، (ولوأخذت هذه العملية بعض الوقت)، وإلاّ نكون قد ساهـمنا بطريقة غيـر مباشرة فـي إفشال العملية الإنتخابية.
رابعاً : بـما أن وزارة الداخلية حدّدت موعد إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية فـي جبل لبنان بتاريخ 15 أيار 2016، وبـما أن ولاية الـمختارين تنتهي فـي 2 أيار 2016، أصبح من الضروري والـمُلحّ إيـجاد حلّ عاجل لتصحيح هذا الـخطأ الإداري بالتعاون مع الـمجلس النيابـي، وإصدار قانون يـمدّد ولاية الـمختارين حتـى تاريخ إنتهاء الإنتخابات. فالـمادة 6 من قانون الـمختارين تنصّ على ما يلي : "تـجري الإنتخابات الإختيارية خلال الستيـن يوماً التـي تسبق موعد إنتهاء ولاية الـمختارين والـمجالس الإختيارية". وتنصّ الـمادة 18 : "كل مـختار تنتهي مدة ولايته ويتابع مـمارستها أو يـمتنع عن تسليم الـمستندات الـخاصة بوظيفته للسلطة الإدارية يُعاقب بـمقتضى الـمادة 375 من قانون العقوبات التـي تنصّ : "كل شخص إنتُدب لـخدمة عامة عن طريق التعييـن أو الإنتخاب وانتهت مدة ولايته وما يزال يـمارس مهامه خلافاً للقانون يُعاقب بالسجن من 3 أشهر إلى 3 سنوات.
من أجل تفادي كل هذه الـمشكلات والعقبات التـي تعتـرض سلامة العملية الإنتخابية، وقانونية مزاولة الـمختارين أعمالـهم بعد تاريـخ 2 أيار 2016، نطالب معالـي وزير الداخلية الأستاذ نـهاد الـمشنوق، الذي نعرف مدى إهتمامه وحرصه على إنـجاح هذا الإستحقاق الدستوري، من معالـجة كل الثغرات والعقبات التـي أشرنا إليها.
* مختار الجديدة، باحث وكاتب سياسي