اكتسبت الزيارة التي قام بها الرئيس الاميركي باراك اوباما الى الخليج ولقاؤه قادة دولها اهمية كبيرة في الوسط الخليجي، وتهافت رؤساء الدول في هذه المنطقة للقائه والاطلاع منه على اي جديد بالنسبة الى مستقبلهم.
بدا قادة هذه الدول وكأنهم متعطشون لسماع اي كلام مطمئن من اوباما، يعطيهم الزخم اللازم للاستمرار في مسيرتهم ويثبّتهم على رأس دولهم لسنوات مستقبلية، ويبعد عنهم "شبح الخطر" المتمثل في ايران، ليس فقط من الناحية العسكرية بل من النواحي السياسية والاقتصادية ايضاً.
في الواقع، اطرب الرئيس الاميركي مستمعيه الخليجيين علناً بما يريدون سماعه عن ايران وسياساتها الخطرة على المنطقة، وسوء سلوكها دولياً وغيرها من الامور التي تثلج قلوب الخليجيين التواقين الى تحييد طهران عن مشاريعهم، ولكن...
كلام اوباما تطرق في الشق الآخر منه الى الواقع الذي يعيشه الخليج حالياً، والى دور ايران في المستقبل، ولعل عبارة: "لا مصلحة لاي دولة في خوض نزاع مع ايران"، كافية لاعادة الامور الى الواقعية التي يحتاجها الخليجيون في هذه الفترة، ولو انه ارفقها بتأكيدات بأن اميركا لن تتخلى عن امن الخليج.
هذا الكلام في العلن قابله دون شك كلام في السرّ مفاده ان ايران اصبحت لاعبة اساسية في المنطقة، وعلى دول الخليج التفاهم معها حول مستقبل المنطقة، وان واشنطن لا تنوي مطلقاً هدر السنوات التي قضتها في المفاوضات مع طهران للتوصل الى الاتفاق النووي ورمي كل الجهود التي بذلت في سلة المهملات كرمى لعيون احد لا الخليجيين ولا الاوروبيين بطبيعة الحال. ومن المنطقي ان يكون اوباما قد طلب من دول الخليج التأقلم مع ايران كما فعلت دول اوروبا (بصورة اقل طبعاً، لان الاوروبيين شرعوا الابواب بسرعة قياسية)، واعطاهم مثالاً على ذلك ما حصل في اليمن حيث تسير الخطى بثبات نحو اتفاق من خلال المفاوضات بعد وقف العلميات القتالية، وهو امر يصب في مصلحة الجميع.
ويدرك الخليجيون ان مخاطر المواجهة مع ايران ستصعب الامور عليهم بالدرجة الاولى بفعل التعقيدات السياسية والاقتصادية اولاً، اضافة الى التعقيدات العسكرية والامنية، وهي دون شك لن تريح طهران وسيكون وضع المنطقة ككل بالتالي في خطر.
ولم ينس اوباما طبعاً التذكير بأن بقاء الاميركيين في الخليج هو من الثوابت لاي ادارة اميركية، ولا خوف من هذا الموضوع، وهو سيضمن بالتالي عدم حصول مواجهات مع ايران. وفي هذا السياق، قد يكون الرئيس الاميركي ألمح وأيّد بطريقة غير مباشرة، ما قاله المرشح للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب اخيراً حول السعودية لجهة انها لن تصمد اسبوعاً واحداً من دون حماية اميركا، وهو امر صحيح ولا لبس فيه.
ولا شك ايضاً ان مسألة الارهاب تلقي بظلها على السعودية خصوصاً ومنها بشكل خاص مسألة اعتداءات 11 ايلول 2001 التي طالت الولايات المتحدة، وما نشر في وسائل الاعلام عن تهديد سعودي ببيع اصولها في اميركا في حال نشر وثائق تثبت تورط المملكة بهذه الاعتداءات، من هنا كان ايضاً طلب اوباما من الخليجيين العمل بشكل اكبر على الحد من الارهاب، اي بمعنى آخر التأكيد على القرار المتخذ بانهاء المنظمات الارهابية الكبرى او تحويلها الى حركات مدنية قابلة للتأقلم مع المجتمعات انما دون اي تأثير عسكري ميداني. صحيح انه من شأن هذه الخطوة ان تقلل من الادوار التي تلعبها دول خليجية في المنطقة، ولكنه صحيح ايضاً ان عدم تلبية هذا الطلب سيؤدي الى تهديد مستقبل العائلات الحاكمة في الدول التي لا تلتزم، ومن الممكن في اي لحظة استخدام ورقة حقوق الانسان للدخول منها الى زعزعة الثقة بالحكام دون الحاجة الى "هدم الهيكل" على رؤوس الجميع، بل اجراء تغييرات محدودة وابدال اشخاص بآخرين وهي خطوة ليست بجديدة وحصلت اكثر من مرة.