لا يبدو أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري بصدد استخدام "الورقة الجزينية" للرد على التصلب العوني في التعاطي مع ملف التشريع، بالرغم من أن الموضوع أولوية بالنسبة له، وقد بات يتعاطى معه وكأن من يرفض تقديم التنازلات بخصوصه انما قرّر اعلان المواجهة مع رئيس البرلمان، الذي ارتأى تخصيص الجلسة الأخيرة من الحوار للتداول بمخارج للأزمة التشريعية، وهو لا زال ينتظر أجوبة نهائية من مختلف الفرقاء على ما قيل أنّها مبادرة طرحها في هذا الاطار.
وتشير المعلومات الواردة من الجنوب ومن مدينة جزين بوجه خاص أن بري لن يخوض المعركة النيابية أو حتى البلدية بوجه "التيار الوطني الحر"، الذي يبدو مستنفرًا هناك تحضيرًا للمعركة المزدوجة التي يخوضها في المدينة، وللمعارك المتفرقة التي قد يضطر لخوضها في عدد كبير من المناطق الجنوبية، اذا ما فشلت مساعي التوافق والتي يبذل جهودًا كبيرة لانجاحها قبل أسابيع من موعد الاستحقاق البلدي.
ويتنافس أمل أبو زيد مرشّح "التيار" على المقعد النيابي الشاغر في جزين، والمدعوم من "القوات اللبنانية" مع "العوني" المفصول باتريك رزق الله وقائد الدرك السابق العميد صلاح جبران، في معركة تبدو شبه محسومة لصالح الأول خاصة وأن كل المعطيات والمعلومات المتوافرة تؤكد قرار بري المهادنة في جزين خلافا للانتخابات التي شهدتها المدينة قبل 7 سنوات وتواجه فيها "التيار" مع رئيس المجلس النيابي الذي دعم وقتذاك النائب السابق سمير عازار في ما وُصف بمعركة "كسر العظم" والتي كسبها رئيس التيار العماد ميشال عون. وكما في الانتخابات النيابية فكذلك في البلدية، لن يدخل بري في مواجهة قد تتظهر ملامحها في بلدات جنوبية أخرى مختلطة.
وبالنسبة لشكل المعركة في جزين، يقول منسق المجالس السياسية في أقضية الجنوب في "التيار الوطني الحر" ماهر باسيلا انّهم يعملون بجهد كبير لتظهير صورة ناصعة للمعركة في المدينة، لافتا الى أنّهم وضعوا "مسلّمات للمفاوضات التي نجريها مع جميع الفعاليات والأحزاب، حيث القاعدة الاساس هي، بالاضافة الى التمسك بالحلفاء السابقين، الانفتاح على الجميع وإعطاء الكل حصة حسب حجمه في المجلس البلدي". وقال: "تشكلت لجنة من مجلس القضاء وقامت بجولات على جميع الفعاليات والأحزاب لاستمزاج آرائهم وبقي بعض الفرقاء حيث يجري تحديد مواعيد لزيارتهم ليصار بعدها لوضع تصور دقيق يراعي الأوزان... اما في حال فشل هذا المسعى عندها سوف ندخل في معركة مزدوجة تتطلب تحضيرا كبيرا نحن معتادون عليه وجاهزون له".
ولا تنحصر اهتمامات التيار حاليًا بمدينة جزين بحيث تنصب الجهود على محاولة تحقيق توافق يشمل كل قرى الجنوب المختلطة، ولهذه الغاية تُعقد اجتماعات مفتوحة بين ممثلين عن "حزب الله" وحركة "أمل" و"التيار" لحسم الأمور في هذا المجال. ويُتوقع أن يمتحن عون حليفيه من خلال ما ستؤول اليه المفاوضات في قريتي كفرحونة وجرجوع وغيرها من القرى المختلطة.
وفي الوقت الذي يبدو التيار البرتقالي حاسمًا ومطمئناً تمامًا لتحالفه مع "حزب الله"، يتطلع أن تتعاطى حركة "أمل" بـ"روح وطنيّة عالية متجردة من أية مكاسب آنية من خلال الاعتراف بأحجام المكون المسيحي". وفي هذا السياق تقول مصادر معنية بالتحضير للانتخابات في الجنوب ان "التحالفات مع أمل في بعض القرى بحاجة الى اعادة النظر فيها"، لافتة الى أنّه "إذا أردنا العودة الى نتائج الانتخابات السابقة، فمن المعيب تكرار ما حدث في بعض القرى المختلطة حيث لم يتمكن المسيحيون من إيصال أي عضو الى المجالس البلدية"، مذكرة انه "في احدى القرى الجنوبية وفي احدى المعارك الانتخابية قبل الحرب اللبنانية، وصل مجلس بلدي من لون واحد فاستقال جماعيا في بادرة حسن نيّة للتعبير عن التمسّك بالعيش المشترك".
بالمحصلة، لا يبدو التيار العوني متحمّسًا لخوض معارك طاحنة في الجنوب، وهو لذلك لا يزال يبدّي مساعي التوافق على ما عداها على قاعدة أن يأخذ كل ذي حق حقه، على أن تتظهر في الأيام القليلة المقبلة ما اذا كانت مهادنة بري في جزين ستنسحب على باقي القرى والبلدات الجنوبية أم أنّه تنازل فيها ليكسب أو يواجه في منطقة أخرى.