هناك من قال يوماً إنّ "حزب الله" يفضّل عدم الدخول في الإنتخابات البلدية كي لا يصطدم بالإعتبارات العشائرية في البقاع. وهناك من كتب أن الحزب المنخرط في الحرب السورية، سيعمل على تأجيل الإستحقاق البلدي كي لا يتلهّى بتفاصيل العملية الإنتخابية وتشكيل اللوائح وإختيار المرشحين والغوص في المفاوضات مع الأحزاب والعائلات. وبين التحليل الأول والثاني، راحت مخيّلة البعض تستنتج أن الحزب يخشى خوض الإنتخابات البلدية في هذه الفترة كي لا ينعكس ضده في صناديق الإقتراع غضب أهالي الشهداء الذين يسقطون في سوريا بوتيرة شبه يوميّة.
كُتب وقيل وقد يُكتب الكثير لكن الأقاويل شيء والحقيقة شيء آخر والدليل موجود في شوارع بلدة بريتال وأحيائها حيث لا صوت يعلو فوق صوت الإنتخابات البلدية. بريتال حيث العشائر وبلدة الأمين العام السابق لـ"حزب الله" الشيخ صبحي الطفيلي الذي غاب الحزب عن ترشيحاتها البلدية منذ عام 1998 مراعاةً للطفيلي المنشقّ عنه ولما كان يمثله الأخير داخل البلدة، هي نفسها التي قرر فيها "حزب الله" في العام 2016 أن يسقط لائحة الطفيلي المتربعة على عرش المجلس البلدي برئاسة عباس زكي اسماعيل منذ ثمانية عشر عاماً.
قرار المواجهة الذي صدر عن "حزب الله" لم يأتِ من لا شيء بل من سلسلة مقابلات تلفزيونية للطفيلي إستفزت جماهير الحزب نظراً للكم الهائل الذي تضمنته من هجومات وانتقادات له. إستفزاز وصل الى ذروته عندما أطل الطفيلي على احدى القنوات في نيسان الجاري، قائلاً إن "قتلى المعارضة السورية شهداء بينما قتلى الحزب سيذهبون الى جهنّم". يومها نزل كلامه نزول الصاعقة على أهالي بريتال، وبدأت إتصالاتهم مع قيادة الحزب، الى أن وصل الأمر لاتخاذ قرار بتوجيه صفعة للطفيلي في المعركة البلدية.
عندما يتخذ "حزب الله" قراراً كهذا، لا يناور ولا يراوغ، لا يمزح ولا يتسلى، ولا يضع أمامه من أهداف إلا الفوز. عملية تشكيل اللوائح في بريتال تظهر أن خبرة الحزب في الميدان، لا تقل أبداً عن خبرته الإنتخابية، والدليل في المعلومات التي تؤكد أنه وزّع ولاية رئاسة البلدية على أكبر ثلاث عائلات في البلدة، إسماعيل وطليس ومظلوم على أن تشغل كل عائلة منصب الرئيس لسنتين قبل أن تسلمه لمرشح من العائلة الأخرى. وكذلك بالنسبة الى منصب نائب الرئيس إذ قضى إتفاق الحزب مع العائلات بأن تتولى ثلاث منهم تعد من حيث عدد الناخبين في المرتبة الثانية في البلدة، كل ذلك لكي تحصد لائحة "الوفاء للشهداء" أكبر عدد ممكن من الأصوات من أمام لائحة الطفيلي. ولضمان الفوز أكثر فأكثر، أعطى الحزب في التركيبة البلدية حصةً لـ"حركة أمل" تفوق بكثير حجم تمثيلها الخجول في بريتال، وذلك لإقفال الباب أمام أي إشاعات قد يسوّق لها الفريق الآخر عن خلاف بين الحزب والحركة.
إذاً "حزب الله" يتحضر للإنتخابات البلدية أكثر من أي فريق آخر، وبراعته في تشكيل اللوائح، تثبت قدرته على الجمع بين المعركة الميدانية في سوريا والمعركة الإنتخابية في البقاع والجنوب، كل ذلك على قاعدة للقتال رجاله وللإنتخابات فريق عملها وماكينتها.