على وقع فشل المباحثات الأخيرة في العاصمة السويسرية جنيف، بين وفدي الحكومة والمعارضة السورية، يبدو أن الولايات المتحدة قررت الذهاب بعيداً في إقتراحاتها العملية، عبر الكشف عما كان يدور بالسابق في الأروقة المغلقة، وفقاً لنظرية "الأرض لمن يحررها" على قاعدة "ما لروسيا لروسيا وما لأميركا لأميركا".
من هذا المنطلق، جاءت دعوة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في نهاية الأسبوع المنصرم، إلى تقاسم العمل على الأرض السورية مع موسكو إلى 3 مناطق، تتولى روسيا المسؤولية عن الأولى في حين تتولى واشنطن المسؤولية عن الثانية، أما الثالثة فتكون منطقة "لعب نظيف" بين الجانبين، بشرط عدم التداخل في العمل، بسبب الخلافات في وجهات النظر بينهما على المستوى السياسي، لا سيما على صعيد مصير الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي حين لا تزال واشنطن تنتظر الرد الروسي على هذا الإقتراح، قدم الرئيس الأميركي باراك أوباما رؤية جديدة لمسألة المنطقة الآمنة أو العازلة، التي كانت على مدى الأشهر السابقة مطلباً أولياً لدى السلطات التركية، عبر تأكيده أن من الصعب القيام بهذه الخطوة، نظراً إلى عدم إمكانية ضمان الأمن فيها بدون مشاركة عسكرية واسعة، وهو الأمر الذي يحرص على عدم القيام به مهما كانت التحديات، لا بل لم يتردد بالمغامرة في العلاقات مع بعض القوى الإقليمية لمنع حصول هذا الأمر، وهو ما ترجم عبر توتر الأجواء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يبقى أكثر المتحمسين لهذا الخيار.
من حيث المبدأ، يبدو المقترح الأميركي، الذي صدرت حوله تعليقات روسية متناقضة، أبرزها من وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي دعا إلى مناقشة هذا الملف بين العسكريين، أشبه باتفاقية سايكس بيكو التي دخلت عامها المئة، بالتزامن مع الحديث عن أنها أصبحت غير مجدية، أي أن المطلوب التوصل إلى إتفاقية دولية جديدة تعيد توزيع المنطقة، وبالتالي يمكن الإنطلاق منه من أجل وضع أساس لهذه الإتفاقية، خصوصاً أن الولايات المتحدة تعتمد في الوقت الراهن على قوات تضع على رأس قائمة أهدافها إعلان الإنفصال عن الدولة السورية الحالية، أي "قوات سوريا الديمقراطية"، التي كشفت مبكراً عن رغبتها في قيام نظام حكم فيدرالي في شمال البلاد.
في هذا السياق، من الممكن أن تذهب واشنطن إلى العمل على تجنيد الآلاف من المقاتلين من أبناء العشائر العربية، ليكونوا جزءاً من مشروعها الأخير، خصوصاً بعد إعلان رئيس الإئتلاف الوطني السوري المعارض السابق أحمد الجربا إطلاق تيار سياسي لديه جناح عسكري، وهو متحالف مع القوات الكردية التي تحظى بدعم من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مساعي أنقرة إلى إعادة العمل في برامج تدريب المعارضة "المعتدلة"، من أجل أن تكون جزءاً أساسياً من القوات التي تعمل على أرض الواقع، الأمر الذي قد يكون شبيهاً إلى حد بعيد بتقاسم النفوذ على الأرض العراقية، حيث تحرص الإدارة الأميركية على عدم مشاركة قوات "الحشد الشعبي"، المدعومة من الجمهورية الإسلامية في إيران، في المناطق التي تريد لها أن تكون من حصة حلفائها، بالرغم من إحتلالها من تنظيم "داعش" الإرهابي منذ أشهر طويلة.
إنطلاقاً من هذا الواقع، سيكون الخطر الأساس، في حال نجاح هذا المقترح بالتحول إلى أمر واقع، في إستكمال مسار تقاسم النفوذ بين واشنطن وموسكو في المرحلة المقبلة، أي في الإنتقال من الجانب الأمني إلى السياسي منه، حيث سيكون لكل منهما شركاء على المستوى السياسي، ما قد يساهم في تعقيد الأزمة أكثر مما هي عليه اليوم، نظراً إلى أن هذا الواقع سيكون ترجمة عملية لتقسيم سوريا إلى دويلات، ستكون على الأقل 2 بحسب ما هو مقترح، على أن تكون أرضية الصراع بينها جاهزة منذ الآن، أي الأراضي ستكون منطقة "لعب نظيف".
في المحصلة، ستكون الأيام القليلة المقبلة كفيلة بكشف موقف موسكو من هذا المخطط، ولكن بعد كل هذا الموت والدمار هل لا يزال هناك ما يمكن وصفه بـ"اللعب النظيف" بين القوى الكبرى؟