حدّد الدُستور اللبناني مواعيد إنعقاد مجلس النواب في عقدين عاديّين سنويًا(1)حيث تنتهي مدّة العقد العادي الحالي في نهاية أيّار المُقبل. وإنطلاقًا من هذه النقطة، قرّر رئيس مجلس النوّاب نبيه بري إستنفاد كامل المهلة القانونيّة المُتاحة، قبل دعوة هيئة مكتب المجلس لتحديد جدول أعمال الجلسة التشريعيّة. فما الذي لم يقله برّي في مؤتمره الإعلامي الأخير، وما الذي سيقوله مُعارضو الجلسة التشريعيّة وفق المعطيات الحالية؟
لا شكّ أنّ قيام رئيس مجلس النوّاب بتوجيه الدعوة لعقد إجتماع للجان النيابيّة المُشتركة بهدف بحث قانون الإنتخابات النيابيّة، ليس تراجعًا عن الجلسة التشريعيّة، كما ظنّ البعض وكما حاول البعض الآخر تفسيره، إنّما هو خطوة تكتيكيّة تُمثّل تراجعًا لفترة زمنيّة محدودة، ترمي إلى سحب حجج التغيّب من أيدي الجهات السياسيّة المُقاطعة. فبرّي يرغب بتسليط الضوء على حقيقة أنّ عدم تقديم بند قانون الإنتخابات النيابيّة على سواه بشكل جدّي وحاسم في أيّ جلسة مُقبلة تحت عنوان "تشريع الضرورة"، لا يعود إلى معارضة شخصيّة من قبله، بل إلى خلافات عميقة بين مختلف الأفرقاء السياسيّين، بشأن طبيعة هذا القانون (أكثري، نسبي أم مختلط وبأي نسبة) والتقسيم الجغرافي لهذا القانون (حجم الدوائر، وعدد النوّاب، إلخ)، وغيرها من التفاصيل. وهو يُراهن على أن تُظهر إجتماعات اللجان النيابيّة المُشتركة هذا الواقع المأساوي، وكذلك بأن يتسبّب تضارب المصالح بين الجهات السياسيّة إلى تفريق أو على الأقلّ إلى ضعضعة التكتلات التي اتّحدت على مُعارضة "تشريع الضرورة"، ما لم يتصدّر قانون الإنتخابات النيابية جدول البحث بشكل جدّي وفعلي وليس صُوريًا. وينوي رئيس مجلس النوّاب أن يُعطي فرصة أخيرة لمعارضي جلسات "تشريع الضرورة" بصيغتها الحاليّة، قبل أن يعود إلى دعوة هيئة مكتب المجلس لتحديد جدول أعمال الجلسة التشريعيّة التي سيعقدها قبل إنتهاء المهلة الدستوريّة القانونيّة، أي قبل نهاية أيار المقبل، باعتبار أنّ فتح "عقد إستثنائي" للمجلس النيابي يستوجب توقيع كامل أعضاء الحكومة الحالية. وسيتسلّح برّي هذه المرّة بفشل الجهات السياسيّة في التوصّل إلى قانون مُشترك، لسحب ذريعة المُقاطعة من أيديهم، باستثناء حزب "الكتائب اللبنانيّة" الذي ينطلق من مُقاطعته للجلسات من موقف مبدئي يُشدّد على أنّه في ظلّ الشغور الرئاسي، على مجلس النوّاب أن يكون في حال إنعقاد دائم لإنتخاب رئيس، وليس للتشريع(2).
في المُقابل، لن يتردّد ممثّلو "التيار الوطني الحُر" و"القوات اللبنانيّة" في المجلس النيابي، وتحديدًا في اللجان المُشتركة، في تجنّب الوقوع في فخّ الإنقسام السياسي بشأن قانون الإنتخاب، وهم سيعملون على تدوير الزوايا وعلى مُحاولة تقريب وجهات النظر بينهم أوّلاً، ومع الأفرقاء السياسيّين الآخرين ثانيًا، على أمل التوصّل إلى جامع مُشترك حول قانون إنتخابي حديث، تكون النسبيّة في صلب مكوّناته، حتى ولو بشكل جزئي. وهم تلقفوا موقف برّي الأخير بايجابيّة، لرفع إمكانات إحداث خرق على صعيد قانون الإنتخاب. لكن وبما أنّ الآمال ليست كبيرة في هذا الصدد، فإنّ الفشل في حسم قانون الإنتخابات النيابيّة في اللجان المُشتركة، لا يعني أنّ "التيار" و"القوّات" سيُوافقان حكمًا بعد ذلك على عقد جلسة تشريعيّة، لأنّ هذا الأمر سيكون بمثابة إقرار بالواقع القائم، لجهة إسقاط المطلبين الرئيسيّين اللذين رفعاهما، أيّ إنتخاب رئيس للجُمهوريّة يُمثّل الأغلبيّة الشعبيّة المسيحيّة، وإقرار قانون إنتخابات نيابيّة يُخرج الناخب والمرشّح المسيحي من تأثير الناخب المُسلم. وردًا على ما لم يقله برّي بالنسبة إلى نيّاته الحقيقيّة من تأخير الدعوة إلى عقد جلسة تشريعيّة، سيقول كل من "التيّار" و"القوّات" – ومعهم "الكتائب" أيضًا ولو من مُنطلقات مختلفة، أنّهم لن يسمحوا باستمرار البحث الصُوري بشأن موضوعي رئاسة الجمهورية وقانون الإنتخاب، علمًا أنّ الخطوات التصعيديّة التي كانت ستُقدم عليها الأحزاب المسيحيّة الثلاث الكُبرى، لعبت دورًا كبيرًا في إرجاء الصدام – إذا جاز التعبير.
فتأمين 70 نائبًا أو أكثر لفرض واقع تشريعي بغياب المكوّنات الحزبيّة المسيحيّة هو جائز عملانيًا، وربّما قانونيًا، لكنّه سيكون خرقًا ميثاقيًا كبيرًا، وتجاوزًا خطيرًا للدستور الذي يُشدّد على أن "لا شرعيّة لأي سلطة تُناقض ميثاق العيش المُشترك"(3). والأخطر من ذلك أنّ مشهد التظاهرات الشعبيّة التي كانت ستتجمّع على الكثير من المُستديرات الرئيسة، وُصولاً إلى مختلف الطرقات المُؤدّية إلى مجلس النواب، لن يكون صحّيًا ولا مفيدًا للوحدة الوطنية أو للإستقرار السياسي، في حال الإصرار على تجاوز المطالب المسيحيّة وعلى عقد جلسة تشريعيّة بالقوّة.
(1)نصّت المادة 32 من الدستور على ما يلي: "يجتمع المجلس (النيابي) كل سنة في عقدين عاديين، الأوّل يبدأ يوم الثلاثاء الذي يلي 15 آذار، وتتوالى جلساته حتى نهاية شهر أيّار، والعقد الثاني يبدأ الثلاثاء الذي يلي 15 تشرين الأوّل، وتختصّ جلساته بالبحث في المُوازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر، وتدوم مدّة العقد إلى آخر السنة".
(2)نصّت المادة 74 من الدستور على ما يلي: "إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس (رئيس الجمهورية) أو إستقالته أو سبب آخر، فلأجل إنتخاب الخلف يجتمع المجلس فورًا بحكم القانون...".
(3)الفقرة "ياء" من المبادئ العامة الواردة في مقدّم الدستور اللبناني.