المقاربة الأميركية – الروسية للأزمة السورية هي أن الحرب ليست هي الحل وإن كانت المدخل الإلزامي لجمع الأطراف على طاولة المفاوضات.
لا شك أن الميدان العسكري هو الذي يقرر حجم التوازنات والأدوار. فروسيا قبل تدخلها العسكري في سوريا لم تكن تملك ذلك التقدير الغربي لوزنها وفعاليتها. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين اكتشف أن التدخلات التركية والسعودية والقطرية وتزويد الساحة السورية بالمقاتلين والأسلحة أدّى إلى كون عديد المعارضة العسكرية هو أربعة أضعاف الجيش السوري والتنظيمات الحليفة على الأقل. وهذا أمر يستنزف النظام السياسي والمؤسسة العسكرية على السواء في ظل حصار اقتصادي وسياسي ومالي على سوريا. الاستنتاج الذي وصل إليه الرئيس بوتين أملى عليه أنه من الأفضل لموسكو مواجهة الإرهاب التكفيري على الأرض السورية من ملاقاة تداعياته في الداخل الروسي. وأما وسيلة تحقيق ذلك فهي المساهمة العسكرية الروسية المباشرة في دعم المؤسسة العسكرية ومواجهة التفوق العددي لقوى المعارضة السورية بكثافة نارية نظامية تعتمد على الطيران والمدفعية.
أكيد أن القرار الروسي بالتدخل العسكري في سوريا حظي بغطاء أميركي سيما وأن واشنطن وموسكو تعتبران أن مواجهة الإرهاب هي الأولوية المشتركة وخصوصا أن المعارضة المتطرفة دينيا هي التي تمسك بالأمور على الأرض حيث لا مصلحة لواشنطن بإقامة "نظام ديني" ينسف فكرة "نظام علماني" تريده كل من العاصمتين. أكثر من ذلك كان يهم واشنطن أن يكون الحضور الروسي في سوريا مصحوبا بموافقتها لأن البديل منه هو تعزيز الحضور الايراني والتركي والسعودي وجعل مسار الأزمة السورية محكوما لصراعات القوى الاقليمية ما يضعف إمكانية التأثير الأميركي والروسي.
تراجع دور القوى الاقليمية من تركيا إلى ايران إلى السعودية هو السمة الأبرز للتفاهمات الأميركية والروسية في سوريا. لكن تعقيدات الأزمة السورية لا تلغي التعارضات بين الموقفين الأميركي والروسي. وهي تعارضات لا تصل إلى حدود "الإشتباك". فواشنطن اختارت المعادلة التي تقول بأنها لن تتورط في "حرب بالوكالة مع موسكو"، ما يعني أن نقاط الخلاف يحسمها الحوار أو الميدان أو استبقاء بعض المسائل للزمن. لكن في الأمور الجوهرية التفاهم الأميركي – الروسي حاسم سواء بالنسبة لمرحلة الإنتقال السياسية أو حكومة الوحدة الوطنية أو الإنتخابات النيابية والرئاسية وتعديل الدستور. ولعل المسألة الرئيسية في التفاهمات الأميركية – الروسية والتي تثير حذرا مشتركا تركيا – ايرانيا هي مخرج "الدولة الاتحادية". فمثل هذه الدولة التي تراعي المكونات الطوائفية والاتنية في سوريا تقطع الطريق على المشروع الإسلامي لكل من تركيا وايران كما تجعل من احتمال "الدولة الكردية" العابرة للحدود إمكانية واردة بالنسبة للمستقبل، وأكثر من ذلك تعيق التواصل بين ايران و"حزب الله" في لبنان وكذلك إمدادات السلاح. والأرجح أن واشنطن وموسكو تلتقيان على أن ايران ما بعد الإتفاق النووي ينبغي أن لا تكون قوية كثيرا بحيث تهدد المصالح الأميركية والروسية ولا ضعيفة بحيث تصبح التوازنات في المنطقة شديدة الإهتزاز ما يسمح للإرهاب التكفيري أن يستفيد من الفوضى خصوصا وأن التنظيمات الإرهابية أصبحت الطرف الرئيسي الذي يعيق إقامة النظام الاقليمي وفقا لقراءة الرئيس باراك اوباما الذي يستند في فلسفته السياسية إلى مسؤول الأمن القومي السابق زبغنيو بريزنسكي. وهي فلسفة سياسية عنوانها ربط السياسة الأميركية الخارجية بإدارة التوازنات والخلافات من دون التورط العسكري المباشر طالما لا تهديد فعلي للمصالح الأميركية الحيوية.
صحيح أن واشنطن تريد تسريع التسوية السياسية في سوريا مستفيدة من استحالة الحل العسكري. غير أن واشنطن تجاري موسكو بأنها ستكون أكثر انفتاحا على مكوّنات المعارضة الداخلية أو تلك التي تلتزم بسقف موسكو والقاهرة... وهذا يشكّـل عنصر ضغط بنيوي على وفد "معارضة الرياض" الذي ينتظر أن تحقق المعارضة المسلحة انجازات ميدانية لا تسمح بها موسكو ولا تريح واشنطن.
* رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع.