حينما تمّ تأجيل الانتخابات النيابية والتمديد لولاية كاملة لمجلس النواب الحالي، كان أحد أبرز الأسباب الذي تم تذرّع به هو وضع قانون انتخاب جديد أكثر عدالة ويؤمن تمثيلاً أكبر للبنانيين، ولهذا شُكّلت لجنة في مجلس النواب للتواصل مع كل الأطراف النيابية، ووضع الصيغة الملائمة.. لكن مرّت الشهور دون أن تُثمر الاتصالات عن أي جديد، فكانت اللجنة كأنها تقوم بعملية "طبخة بحص"، خصوصاً أن معظم أعضائها، وعلى رأسهم منسق لجنة التواصل النائب "القواتي" جورج عدوان، لم يروا أفضل من المشروع المشترك الذي تقدم به "تيار المستقبل" و"حزب القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" وهو عبارة مشروع قانون مختلط يقوم على أساس انتخاب 60 نائباً وفق النظام النسبي، و68 وفق النظام الأكثري.
وفي حقيقة هذا المشروع أنه يعطي سلفاً لهذا التحالف "غير المقدس" الأكثرية النيابية، لأنه يحافظ على مكامن قوة هذا التحالف في النظام الأكثري، ويدخله شريكاً مع الأطراف الأخرى في النظام النسبي.
ورغم أن هناك مشروع قانون قدّمه النائب علي بزي باسم كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها الرئيس نبيه بري، ويقوم على أساس انتخاب 64 نائباً وفق النظام الأكثري و64 نائباً وفق النظام النسبي، وبالتالي وفق هذا المشروع "لا يموت الديب ولا يفنى الغنم"، إلا أن لجنة التواصل النيابي لم تعطه الاهتمام الكافي واستمرت في "طبخ البحص".
والأنكى من كل ذلك، أن "تيار المستقبل" وحلفاءه في "14 آذار" استمروا في استغباء اللبنانيين؛ بأنه لا مجال لقانون انتخاب على أساس النسبية تحت تأثير السلاح، وهم بالطبع يقصدون بذلك سلاح المقاومة، مع العلم أن لا إمكانية لخرق "تأثير السلاح"، وانتخاب نواب في دوائر انتخابية فيها تأييد عارم للمقاومة، إلا من خلال النسبية، وبالتالي فإن هذه الذريعة المملة على حد تعبير المثل اللبناني "حجة ما بتقلي عجة"، وبالتالي فإن المستقبليين وحلفائهم لم يستطيعوا أن يخرجوا من منطق ومفهوم الغاء الآخرين، خصوصاً أن التطورات المحلية والإقليمية كشفت حقيقة مواقفهم وتوجهاتهم، ما جعل نسبة التأييد لهم تتراجع إلى حد كبير، بحيث لم تعد تتجاوز وفق الإحصائيات والاستطلاعات الـ60 بالمئة في أحسن الحالات في الدوائر التي يشكلون فيها ثقلاً انتخابياً، فكيف ستكون الأمور في ظل الأزمات المالية التي يعانيها زعيم "تيار المستقبل"، وعجزه عن دفع مستحقات ورواتب حتى العاملين في مؤسساته، بدءاً من المملكة السعودية، ومروراً في باريس وليس انتهاء ببيروت.
وهنا برأي مصدر نيابي مطلع، فإن هذا التحالف "غير المقدَّس" سيبقى يراوغ ويماطل، ويعمل للحؤول دون صدور أي قانون يحمل ولو حداً أدنى من عدالة التمثيل.
وبرأي هذا المصدر النيابي، إذا كان تحالف قوى "14 آذار" أو ما بقي منه، يراهن على تطورات إقليمية معينة، أو يراهن على تطورات دولية محددة، أبرزها الانتخابات الرئاسية الأميركية في أواخر العام الحالي، فهم واهمون جداً، خصوصاً أن التطورات الإقليمية تشير إلى تقدم حلف المقاومة، وتراجع مشغلي وداعمي ما بقي من "14 آذار" ليس على المستوى الميداني وحسب، إنما على المستوى المالي والاقتصادي، حيث بدأت السعودية على سبيل المثال والحصر تعاني من عجز في الموازنة العامة للدولة، حيث اعترفت الحكومة السعودية نفسها بعجز يقدر بأكثر من 85 مليار ريال سعودي، لكن هذا الرقم وفق الخبراء الاقتصاديين متواضع جداً، لأن العجز برأيهم يتجاوز الـ150 ريال سعودي، وهذا ما اضطرها إلى مضاعفة الأسعار ورفع الدعم عن معظم السلع الحيوية وفرض ضرائب جديدة، وإذا ما طُبِّقت الخطة الاقتصادية التي ينظر لها محمد بن سلمان، ببيع بعض أصول وممتلكات الدولة، فإن هذه الأزمة ستصبح أكثر تفاقماً، وقد تؤدي إلى تسريع الخضات الاجتماعية في السعودية.
في المقابل، فإن حلفاء المقاومة إذا لم يتم اعتماد معيار واحد وعادل للجميع في قانون الانتخاب، قد يجدون الحل الوحيد والأمثل حينئذ، التمسك بلبنان دائرة انتخابية واحدة مع النسبية، خصوصاً أن موازين القوى الإقليمية تتجه نحو تحقيق نجاح هام لحلف المقاومة والممانعة، وبالتالي يصبح التمسك بمثل هذا القانون شرطاً أساسياً للحل.
مهما يكن برأي المصدر النيابي، على الطرف الآخر الإقلاع عن المراهنات الخاسرة والحسابات الضيقة وعقلية الإلغاء التي انعكس جانباَ منها في الاجتماع الأخير للجان النيابية المشتركة التي اجتمعت لبحث 17 مشروع قانون انتخاب، وفي هذا بحد ذاته ما يشير إلى ليس هناك من نية صافية لسن مشروع قانون جديد يحمل عدالة في التمثيل.. وهو ما عكسته تصريحات عدد من النواب بعد انتهاء الاجتماع.