يتساءل دبلوماسي مرموق في بيروت، غير عربي وغير إسلامي، وليس من أوروبا الغربية، عن تلك التحالفات المريبة والغريبة بين "الشياطين" ومن يزعمون أنهم "رسل الآلهة ومخلصي البشرية من الشرك والتيه والضلال" في الحرب على سورية، ولماذا تُنفق الأحجام المذهلة من الأموال من أجل شرذمة وتفتيت روح ونبض طريق الحرير ومركز الحضارات؟ مشيراً إلى أنه لو صُرف عُشر هذه المبالغ التي يدمرون بها سورية، على الفقراء والمحتاجين والتنمية الحقيقية في بلاد العرب والمسلمين، لما بقي فقير واحد أو محتاج واحد، ولقُضي على الأمية التي تبلغ أرقاماً مخيفة في هذه البلاد في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين.
ويستغرب هذا الدبلوماسي كيف تتم تعبئة الأزمنة العتيقة بكل خلافاتها، وقبليتها وانغلاقها، لتزرع في الصدور والعقول الأزمنة الحجرية.
ويستدرك هنا مؤكداً أن جزءاً هاماً من الحرب على سورية صار جزءاً وتفصيلاً من الصراعات الداخلية التي تدور في الدول الداعمة والمموِّلة للإرهاب في سورية والعراق واليمن وليبيا، وربما غيرها من الدول، بما فيها لبنان، مشيراً إلى الحرب الواسعة والجرائم الفظيعة التي تُرتكب الآن في حق حلب من قبَل نفس هذه الدول، ويتحدث عن بعض هذا الصراع في دولتين هما السعودية وتركيا، فيرى أن حرباً باردة محتدمة داخل الأسرة الحاكمة في الأولى، الذي لا بد أن ينتج جديداً تبعاً لميزان القوى داخلها، والذي بدأ سراً في أشكال مختلفة، لكن جوهره هو لمن الأمر بعد مرحلة الملك سلمان، الذي يعاني وضعاً صحياً سيئاَ للغاية، وهو يُترجم حالياً بصراع كبير وخطير بين وليَّي العهد، ويترجَم ميدانياً على أرض الواقع، لأن كليهما، إضافة إلى موقعهما كوليّي العهد، يتسلمان وزارات أمنية، فولي العهد محمد بن نايف يتمترس في حقيبة وزارة الداخلية، التي تعلن كل أسبوع تقريباً عن كشف خلية إرهابية في الداخل السعودي، ما يعني أنه ممسك بالوضع الداخلي جيداً من جهة، وأن هذه الخلايا متسربة من سورية وليبيا والعراق واليمن، حيث تلقى الدعم من ولي ولي العهد محمد بن سلمان الذي يتمترس بحقيبة وزارة الدفاع، التي تشن حرباً مباشرة في اليمن، وتؤمّن كل الدعم للمجموعات المسلحة المقاتلة في كل الأمكنة، ما يعني وسمه بتهمة دعم الإرهاب من جهة ثانية.. ولهذا نرى بن سلمان يحاول أن يجمع في يديه، بالإضافة إلى مراكزه الرسمية، الملفات الأخرى، لاسيما الاقتصادية والإعلامية، فيلوّح للإميركيين والغربيين بمنحهم استثمارات وحصصاً، خصوصاً في "أرامكو"، من خلال اندفاعه نحو الخصخصة، في نفس الوقت الذي يعمل لفرض هيمنته وقبضته على شركات عملاقة في الداخل السعودي، من خلال حجب الأموال عنها، أو إبعادها عن المشاريع والمقاولات، كحال مجموعة "بن لادن" العملاقة، و"سعودي اوجيه"، وغيرهما.
أما الثانية أي تركيا، فإن ديكتاتورها الجديد رجب طيب أردوغان يعيش نزاعات داخلية متعددة، فهو بعد معاداته لعبد الله غولين، وعبدالله غول، والجيش، بدأ يعيش صراعاً مستجداً مع عقله وربيبه؛ أحمد داود أوغلو، حيث تشير المعلومات إلى أنه على قاب قوسين من التخلي عنه، في نفس الوقت الذي تُطرح علامات الاستفهام حول استقرار تركيا فعلاً، في ظل تصاعد أعمال العنف الداخلي.
ويجزم الدبلوماسي أن جزءاً من الصراع الداخلي المحتدم في هاتين الدولتين، في أحد أوجهه البارزة تقديم الولاء والطاعة للسيد الأميركي، وللدولة العبرية، ولهذا يكاد لا يمر يوم إلا ونعرف أخباراً جديدة عن الاتصالات السرية والعلنية بالأميركي والعبري، سواء من السعودي أو التركي.
وهنا يسأل الدبلوماسي المرموق أمام التطورات الحلبية: هل يمكن لعاقل أن يصدّق أن الرياض وأنقرة والدوحة والأردن اتخذوا قرار كسر وقف القتال في سورية، والذي تحدد وفق التفاهم الأميركي - الروسي، دون علم واشنطن وتوجيهها وإرادتها؟
وبرأيه، الصمود السوري وانتصاره في حلب سيُحدث زلزالاً سياسياً في المنطقة، وهذا ما يفسر الضجيج والصخب والصراخ والنحيب والعويل على الجرائم ضد أبناء حلب، والذي وقع فيه كثيرون، وبعضهم بحُسن نية، وهو الذي حاولت الإدارة الأميركية استغلاله، فبدأت العمل عليه، ما سيجعل الصبر الروسي ينفد على الاستفزاز السمج، دون أن ننسى أيضاً إيران، التي لن تسمح بهزّ دورها ومكانتها كعنصر أساسي في حلف المقاومة والممانعة، خصوصاً أن التركي يحاول أن يمارس "لعبة الذكاء" عليها، كما حصل في الزيارة الأخيرة لأحمد داود أوغلو لطهران، حيث أُفهم جيداً أن الأنياب التي تحاول أن تغرَس في العراق وسورية سيتم تحطيمها.. أوغلو الذي تظاهر بأنه فهم الدرس، تبين أن هناك أكثر من خمسة آلاف إرهابي تسللوا من أراضيه إلى حلب، ما بات يفرض عليه أن يتلقّى ما يستوجبه ذلك، وبدايته ستكون بالتأكيد من حلب، حيث قتل جمع غفير من الإرهابيين المتسللين، سواء في المجاري الصحية، أو في الميدان.
يسأل الدبلوماسي: هل فهم الأميركيون جيداً؟ تابعوا ما يجري وسيجري في تركيا، وفي السعودية..
ربما بعض الجواب ما أعلنته رئاسة الحكومة التركية عن تأجيل زيارة أحمد داود أوغلو لواشنطن، "لأسباب تتعلق بضغط برنامج الفريق الأميركي"، وهي نفس الأسباب التي أُعطيت لمحمد بن سلمان، الذي كان يعتزم زيارة سيده الأميركي.