بين ليلة وضحاها، اصبح دونالد ترامب المرشح الجمهوري الوحيد الى الانتخابات الرئاسية الاميركية، حيث سيواجه، على الارجح، المرشحة الديمقراطية الى الرئاسة هيلاري كلينتون. على الرغم من ان اقصاء ترامب لمنافسيه الجمهوريين لم يشكل صدمة بالمعنى الحقيقي للكلمة، لكنه كان مفاجأة نظراً الى سرعة انسحاب كل من جون كاسيك (حاكم ولاية اوهايو) والسيناتور تيد كروز حيث عبّدا الطريق امام خصمهما ليمثل الجمهوريين في معركة الرئاسة.
بغض انظر عن هوية من سيواجه ترامب من الحزب الديمقراطي ليصل الى البيت الابيض، يمكن القول ان الجمهوريين منيوا بخسارة كبيرة، ليس على صعيد الرئاسة، انما على صعيد ترميم البيت الداخلي بعد عهد الديمقراطيين، والعودة بقوة للامساك بزمام الامور. اليوم، اكثر من اي وقت مضى، يرى الجمهوريون انفسهم امام مفترق طريق: ولاؤهم المطلق للحزب الذي يلزمهم التصويت ودعم ترامب، والتفكير العقلاني الذي يضعهم امام صورة قاتمة عما ينتظرهم والعالم في حال وصول المرشح الجمهوري الى اعلى منصب في البلاد.
لا يعني هذا ان الجمهوريين سيتحولون الى ديمقراطيين، او ان ترامب لا يتمتع بشعبية مهمة لدى الحزب الجمهوري، انما يعني الامر بكل بساطة ان المنتسبين الى هذا الحزب غير مقتنعين بما يقوله ويمثله ترامب، خصوصاً لجهة تعصبه وتهديده للاتين وللمسلمين الذين يشكلون شريحة اساسية من عصب الاميركيين. ومن يراقب تطور الامور في الولايات المتحدة وما تقوله وسائل الاعلام عن وضع الجمهوريين بشكل عام، يشي بأن الديمقراطيين اكثر تماسكاً واصطفافهم خلف مرشحهم اياً كان، سيكون اكثر قوة ولن يكون محط تردد او تفكير عميق قبل الاصطفاف في طابور الانتظار للاقتراع.
ولعل المثال الابرز على ما يعيشه الاميركيون حالياً، هو ترحم البعض على ايام جورج بوش الابن التي ادت الى وصول اول رئيس اميركي اسود البشرة في تاريخ الولايات المتحدة. ان هذه الواقعة تفيد بأن المقارنة بين ترامب وبوش الابن وتفضيل الاخير رغم كل الازمات الاجتماعية والعسكرية والمادية التي تركها خلفه، تعني امراً واحداً وهو ان الديمقراطيين نجحوا في شق صفوف الجمهوريين، وهو امر يعتبر انجازاً بحد ذاته بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية.
ويسأل الكثيرون ايضاً عما اذا كان ترامب هو السلاح الديمقراطي السري للوصول الى البيت الابيض، وانه اذا اوصل بوش الابن اوباما، فهل يكون ترامب الطريق الاقصر لهيلاري كلينتون الى الرئاسة لتصبح اول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ الولايات المتحدة؟
لم يعد من الغريب طرح فكرة تولي امرأة قيادة اميركا، لان كسر التقاليد التاريخية انما اتى في سياق الانتخابات الرئاسية على يد الجمهوريين الذين لم يعرفوا اختيار ممثلهم الذي يقنع الاميركيين. وما يزعج المنتسبين الى الحزب الجمهوري اكثر هو ان تأييد ترامب في الخارج بشكل علني انحصر بشخص واحد هو فلاديمير بوتين رئيس روسيا والذي يثير القلق في نفوس الاميركيين لانه يتحدّاهم ويرون فيه ملامح الرجل الذي سيعيد حقبة الاتحاد السوفياتي الى الحياة.
يفرح مؤيدو ترامب حالياً بطريقة كلامه وعدم مواربته في مقاربة الامور وتسمية الاشياء بأسمائها دون دبلوماسية او "ارتداء قفازات"، ولكن هذه الصفات هي دون شك سلاح ذو حدين سيرتد سلباً على صاحبه ومن يمثل، وقد يرى الاميركيون انفسهم في مرحلة لاحقة مضطرين الى معاودة السؤال عن مصير ابنائهم العسكريين في الخارج، وعن خريطة السياسة الاميركية الجديدة التي ستسقط حلفاء سابقين وستضم حلفاء جدداً قد لا يحصلون على تعاطف الغالبية معهم.
يمكن القول ان سرعة الضربة التي وجهها ترامب الى منافسيه وبقاءه وحيداً على الساحة الجمهورية، تفرض على مؤيدي هذا الحزب تجميع صفوفهم بسرعة ايضاً، وحزم امرهم من اجل البقاء على قيد الحياة، والا سيخسرون في اشهر قليلة ما استعادوه من هيبة ونجاح بعد بذل جهود دامت سنوات عدة.