شكّل الاهتمام الشعبي اللبناني بالانتخابات البلدية والاختيارية لهذا العام حدثاً لافتاً. هي الانتخابات الاولى في لبنان التي تحظى بهذا الحجم من الترشيح والمنافسة على مساحة المناطق والطبقات الشعبية. ربما تطور الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي اصبحت في متناول ايدي الناس لعبت دورا مهما في زيادة الاهتمام الشعبي.
لكن هل صحيح ان الانتخابات البلدية والاختيارية مقياس للموازين السياسية؟ ربما يكون ذلك في المدن، لكن الخيارات العائلية هي التي تحكمت في معظم تركيبات القرى والبلدات. رغم ذلك فإن جملة مؤشرات تفرض اعتبار هذه الانتخابات معياراً ومفصلاً سياسياً.
حراك رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري في بيروت لمنع خرق "لائحة البيارتة" يدل على وجود معلومات عن "كسل" تياره شعبياً، وعدم رضى الناس عن "الخدمات المستقبلية". تدخل الحريري شخصيا مستعملا كل الأساليب الديمقراطية المشروعة في التحشيد الشعبي لتأمين فوز اللائحة وتوظيف ذلك في خانة شعبية مؤيدة لخياره وتياره. لكن حراكه لا يواكبه المحيطون به او حلفاؤه التقليديين، لدرجة ان رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط ذهب الى حد دعم اللائحة المناوئة "بيروت مدينتي".
كما رُصد على وسائل التواصل الاجتماعي انتقاد أبناء مسؤولين سياسيين في "تيار المستقبل" للائحة "البيارتة".
أين رئيس البلدية الحالي بلال حمد؟ لماذا اختفى عن المشهد؟ لا الحريري شكر جهوده، ولا هو ظهر مؤيداً للائحة الجديدة التي يدعمها خطه السياسي. إطلالة حمد بانت فقط في حفل يتيم لافتتاح مسلخ بيروت ووضع لوحة بإسمه، سرعان ما أزيلت بعد الاحتفال. فهل هذا السلوك في التخفي يدل على وجود أزمات ضمنية في التيار الازرق؟
أين رئيس "كتلة المستقبل" فؤاد السنيورة؟ وهل صحيح انه يدعم مرشحين آخرين في صيدا لمنافسة مرشح الحريري رئيس البلدية الحالي محمد السعودي؟ من يرشح رجل الاعمال محمد زيدان الذي يدور سياسيا واقتصادياً في فلك السنيورة؟
أسئلة تدور في أروقة "المستقبل" من دون الوصول الى أجوبة واضحة، سوى الاشارة الى تباعد حاصل بين الحريري والسنيورة.
بالمقابل "التنظيم الشعبي الناصري" يقدم لائحته لا للوصول الى البلدية بقدر ما هو لإظهار الحجم السياسي والوزن الشعبي لأمين عام التنظيم النائب السابق اسامة سعد في صيدا عبر الانتخابات البلدية. العين هنا على النيابة، تماماً كما يفعل النائب نقولا فتوش في زحلة. هو رشح شقيقه موسى على رأس لائحة مكتملة لإظهار حجم مؤيديه والتحضير للانتخابات النيابية.
كل يريد إظهار شعبيته ونسب مؤيديه، يساعدهم في ذلك توق الناس لخوض تجربة الترشح الى عضوية البلديات.
دعوة الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله محازبيه الى نبذ الخلافات والتباينات في الانتخابات البلدية تدل على واقع موجود. هو أوصى بتشكيل لجان مصالحة لمرحلة ما بعد الانتخابات. لمس الحزب وجود أزمات في البلدات كان يمكن تفاديها وترك البلديات للعائلات من دون تدخل كما كانت وجهة نظر النائب علي فياض.
كل القوى ستستند الى معطيات التعاطي الشعبي ونتائج الانتخابات وخصوصا في المدن والبلدات الكبرى لدراسة الثغرات ومعالجتها قبل الوصول الى انتخابات نيابية. بالطبع هناك قوى ستكتشف ان الانتخابات كانت بالإجمال لمصلحتها، وهناك قوى ستصل الى نتائج عكسية. لأجل ذلك لن تكون الانتخابات البلدية عابرة. ستكون محطة مفصلية.