في العام 2010 تلقى النائب عن دائرة البقاع الغربي وراشيا، ​روبير غانم​، ضربة في مسقط رأسه صغبين، تمثلت بفوز لائحة بلديّة منافسة للائحة التي دعمها. وفي دورة العام 2016، تكرّر "السيناريو" نفسه، حيث فازت اللائحة البلدية برئاسة موسى أبو حمد، والمدعومة بشكل أساسي من "التيار الوطني الحُرّ"، إضافة إلى محازبين ينتمون لحزب "الكتائب اللبنانية" وآخرين للحزب السوري القومي الإجتماعي، على اللائحة المدعومة من قبل النائب غانم، إضافة إلى حزب "القوات اللبنانيّة"، والتي كانت برئاسة عفيف أبو حمد. وصحيح أنّ المنافسة كانت محصورة في بلدة صغبين التي يبلغ عدد الناخبين المُسجّلين فيها على لوائح الشطب 3780 ناخبًا، إلا أنّ دلالاتها كانت كبيرة بالنسبة إلى ما يُعرف بالنوّاب المسيحيّين المُستقلّين، المحسوبين مباشرة أو غير مباشرة على "تيّار المُستقبل".
فإذا كان صحيحًا أنّ بعض التموضعات الحزبيّة لا تكون حاسمة في إنتخابات العديد من البلدات والقرى وحتى المدن، بسبب تداخل العامل الإنمائي مع العامل السياسي، وبسبب الحزازيّات بين العائلات، فإنّ سقوط بعض الشخصيّات السياسيّة في عقر دارها له دلالات مُهمّة. وعلى الرغم من أنّ "القوّات" أدّت دورها في معركة صغبين الإنتخابيّة، لجهة إستنفار مُناصريها وحثّهم على أداء واجبهم الإنتخابي، إلا أنّ خسارة اللائحة التي تدعمها جاء بسبب تزايد ضعف الدعم الشعبي للنائب غانم، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة إستفهام على مسألة التجديد الذي حصل للنوّاب الذين كانوا فازوا في إنتخابات جرت في العام 2009، ووفق قانون غير مُنصف ولا عادل بحقّ التمثيل المسيحي. وللتذكير فإنّ نجل قائد الجيش اللبناني السابق العماد إسكندر غانم، والنائب في البرلمان اللبناني منذ العام 1992 حتى اليوم، كان نال في دورة الإنتخابات النيابيّة الأخيرة في العام 2009 ما مجموعه 35679 صوتًا من أصل 65545 مُقترعًا شاركوا في عمليّات التصويت، أي أعلى نسبة أصوات في اللائحة الفائزة في منطقته والتي كانت تضمّ ستة أعضاء. والمُفارقة أنّ عدد الأصوات السنّية التي نالها النائب غانم تجاوزت مجموع 21000 صوت، وعدد الأصوات الدرزيّة التي نالها تجاوزت مجموع 6000 صوت، وعدد الأصوات الشيعيّة التي نالها بلغت نحو 400 صوت، ما يعني أنّه حصل على أكثر من 27000 صوت مسلم وعلى أقلّ من 9000 صوت مسيحي في دائرة قضاءي البقاع الغربي وراشيا. وما ينطبق على النائب غانم الذي فشل في تأمين فوز لائحة بلدية من 15 عُضوًا في مسقط رأسه، ينطبق على نوّاب آخرين، لجهة عدم مُطابقة الصفة السياسيّة التمثيليّة المُعطاة لهم، مع الحجم التمثيلي والشعبي الذي يحظون به فعليًا في بيئتهم المناطقيّة والطائفيّة الضيّقة. وليس سرًّا أنّ النائب غانم يُعتبر من الطامحين الدائمين لمنصب رئاسة الجمهوريّة، وهو كان إنتقل من الخط السوري في تسعينات القرن الماضي إلى موقع مؤيّد لقوى "14 آذار" منتصف العقد الماضي، مُحاولاً بذلك المُحافظة على موقعه السياسي، قبل أن يعتمد سياسة منخفضة السقف طمعًا بإحتمال ترشيحه لمنصب الرئاسة.
واليوم، وفي الوقت الذي كان النائب غانم يتحدّث فيه عن نتائج الجلسة الثانية التي عقدتها اللجان النيابيّة المُشتركة، لدرس وإقرار قانون الإنتخابات النيابيّة الجديد، كانت النتائج الرسميّة لانتخابات بلديّة صغبين تؤكّد رسميًا الضعف الشعبي للعديد من النوّاب المسيحيّين الذين يصلون بأصوات باقي الطوائف والمذاهب، من دون أن يجعلهم ذلك يتردّدون في السعي ليس للإحتفاظ بموقعهم النيابي فحسب، بل في تمثيل المسيحيّين والموارنة بأعلى منصب في الجمهوريّة اللبنانيّة!
ويُمكن القول إنّ هذا الوضع الشاذ الذي يعيشه مسيحيّو لبنان منذ ربع قرن حتى اليوم، كان قد بدأ بسبب الإرتدادات السلبيّة لإتفاق الطائف مطلع التسعينات في ظلّ الخلل في موازين القوى آنذاك، ثم تعزّز مع التشويه الذي أصاب القوانين الإنتخابيّة خلال فترة التدخّل السوريّ في الشاردة والواردة إبّان احتلاله للبنان، قبل أن يستمرّ بسبب منع بعض القوى السياسيّة المحلّية، مدعومة من قبل عدد كبير من النوّاب "المُستقلّين"، إحداث أيّ تغيير جذريّ في قانون الإنتخابات النيابيّة، وذلك خوفًا على مواقعهم النيابيّة وعلى نفوذهم. وطالما لا تغيير في قانون الإنتخاب الحالي غير العادل ولا المُنصف، سنشاهد نوّابًا ومرشّحين رئاسيّين، يعجزون عن تأمين بضع مئات من الناخبين للفوز بلائحة بلدية في مسقط رأسهم!