بالشكل، جاءت نتائج الجولة الأولى من ​الانتخابات البلدية​ في محافظتي بيروت والبقاع لصالح "التيار الوطني الحر". من بلدية بيروت التي دخلها للمرّة الأولى بـ"بركة" شعار "زي ما هيي" الشهير، إلى بلدية زحلة التي وطأتها قدماه جنباً إلى جنب الأحزاب الأخرى، حقّق "التيار" الفوز الذي أراده.

إلا أنّ هذا الفوز بقي "منقوصًا"، فكلّ المؤشرات أوحت أنّه لا يمكن أن يرقى لمستوى "الانتصار" لأكثر من اعتبار، خصوصًا أنّ التعمّق في دلالاته ومعانيه، كما في التداعيات التي يمكن أن تنجم عنه، لا يبدو أنّه لصالح "التيار"، الذي خرج عن طوره، و"فضح" انقسامه الداخلي، بل وصل به الأمر لحدّ "نشر غسيله" في العلن!

سقوطٌ في المحظور...

لم تكن "ضربات الكفّ" التي "عكّرت" صفو العملية الانتخابية بين "رفاق التيار الواحد" في الأشرفية، على أهميتها وخطورتها، المأخذ الوحيد الذي سُجّل على "التيار" في معركة بيروت الانتخابية، "التيّار" الذي سيُسجّل عليه أنّه حصل على "حصّة" في بلدية بيروت بـ"بركة الشيخ سعد" وشعار "زي ما هيي" الذي لطالما سخر وهزئ منه.

وبعيداً عن نسبة التصويت الأقلّ من خجولة التي لم تتخطّ العشرين بالمئة في عاصمة لبنان، والتي على "التيار" وغيره التوقف عندها ملياً، خصوصاً أنّها عكست "يأس" الشعب و"اشمئزازه" بالدرجة الأولى، وفقدانه "الأمل" حتى بأيّ "تغييرٍ" حاول الكثيرون الترويج له، وبعيداً عن الأرقام المبشّرة والمعبّرة التي حقّقتها لائحة "​بيروت مدينتي​" المنافسة، إلا أنّ المآخذ بدأت منذ بدء التحضيرات للمعركة ومفاوضاتها، حيث لم تفهم القواعد "العونية" كيف ينخرط "التيار" في لائحة يرأسها مدير عام "سوليدير"، في مواجهة من كانوا "رفاقها" في "النضال" ضدّ هذه الشركة، وفي مقدّمهم الوزير السابق شربل نحاس. ولم تقنع تبريرات "التيار" لخوض المعركة أحداً، فتشبيه خوض الانتخاب جنباً إلى جنب من يصفهم بـ"الفاسدين" بالجلوس معهم على طاولة الحكومة الواحدة لم يبدُ مستقيمًا، خصوصًا أنّه إذا كان هناك مجالٌ للمحاسبة، فهو عادةً في الانتخابات وفي صندوق الاقتراع، وهو ما لم يفعله "التيار"، الذي فضّل خوض الاستحقاق ويده بيد هؤلاء "الفاسدين".

وفي هذا السياق، لم يكن خافياً على أحد أنّ "عواطف" الجمهور "العوني" كانت في مكان و"قياداته" في مكان آخر، حتى أنّ وزير التربية الياس بو صعب قال عشية الانتخابات أنّ "قلبه وقناعاته" مع لائحة "بيروت مدينتي" المنافسة، قبل أن يخرج رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون بما يشبه "التنبيه" لكلّ "العونيين" بضرورة الالتزام بالتصويت للائحة "البيارتة"، التي أخطأ للوهلة الأولى في تسميتها. أما الخلاف العلنيّ الذي تفجّر أمام مدرسة الحكمة، فعلى الرغم من كونه انعكاساً للواقع الذي ينحدر إليه "التيار" الذي أصبح "تيارين" وربما أكثر منذ تنصيب الوزير جبران باسيل رئيساً بـ"التزكية" غير المحبّذة عونياً، إلا أنّه ستكون له تداعيات وخيمة بطبيعة الحال، سواء انتهت بـ"عمليات فصل" بدأ الحديث عنها ولو همساً، أو بـ"تسوياتٍ غريبة" لحفظ ماء الوجه لم تعد قادرة على حجب "الحقيقة المُرّة".

أين النسبة الخارقة؟

ومن بيروت إلى زحلة، انتصر "التيار" مع حليفه الجديد، "​القوات اللبنانية​"، وحليف حليفه، "حزب الكتائب"، في مواجهةٍ وُصِفت بأنّها "أمّ المعارك"، واتخذت الطابع الأكثر تسييساً ربما في لبنان بأسره. ولكنّ تمعّناً بسيطاً بالأرقام التي حقّقتها لائحة الأحزاب في مواجهة لائحتي "زحلة الأمانة" المدعومة من "الكتلة الشعبية" و"زحلة تستحق" المدعومة من النائب نقولا فتوش تُظهِر أنّ الفوز لم يأتِ كما كان "العونيون" و"القواتيون" يطمحون.

فمعركة زحلة، التي لم يتردّد أحد في وصفها بأنّها ستكون "المقياس" لايّ معركةٍ أو استحقاقٍ آتٍ، والتي شكّلت "الامتحان الأول" لتحالف "التيار" و"القوات"، لم تثبّت المقولة الشائعة أنّ "التفاهم المسيحي" سيجتاح كلّ المواقع وسيقضي على الأخضر واليابس. ولعلّ النتيجة الأساسية لهذه المعركة، والتي تتفوّق على الأرقام التي أفرزتها، تكمن في سقوط ذريعة الأغلبية المسيحية، فرئيسة "الكتلة الشعبية" ميريام سكاف، التي ورثت زوجها الوزير السابق الياس سكاف، والتي تكتّلت الأحزاب المسيحية ضدّها، استطاعت أن تشكّل منافساً قوياً، وكادت تخرق لائحة الأحزاب، في حين لا يمكن الاستخفاف أبداً بالأرقام التي سجّلتها اللائحة المدعومة من فتوش، رغم كلّ الاتهامات الموجّهة للرجل بالتورّط في الفساد هنا وهناك.

ولا يبرّر الحديث عن أموال سياسية وانتخابية ومشاركة مجنّسين، وهي عوامل تحضر إعلامياً مع كلّ استحقاق انتخابي، النتيجة المحققة، خصوصًا أنّ الطموح كانت أن يجد فيها "التيار" و"القوات" الفرصة للقول بأنّهما "يحتكران" الساحة المسيحية، وأنّ الكلمة الفصل يجب أن تكون لهما، وفقط لهما، فإذا بالأرقام التي أفرزتها الصناديق "المسيحية" لا تعطيهما إلا الأكثرية المُطلقة، ما يعني أنّهما ما كانا ليحصدا "الانتصار" الذي تحدّثا عنه لو أنّ النظام المعتمَد كان "النسبي" الذي يفترض أنّهما يطالبان به قبل غيرهما، حتى لو أقرّ القانون "الأرثوذكسي" على سبيل المثال، علمًا أنّ "القوات" قد تكون هي الرابح الأكبر في زحلة، خصوصاً أنها تسعى منذ التفاهم مع "التيار" إلى القول بأنها الشريك الثاني الأقوى على الساحة المسيحية، في ظل تفوق نسبة مؤيديها عند الفئة الشابة على التيار نفسه، وبالتالي لا يمكن أن يكون وضع "الوطني الحر" على المستوى الحزبي بأفضل حال.

إلى جبل لبنان...

لم تنته المعركة بعد بالنسبة لـ"التيار"، وعينه الآن على الجولة الثانية من الانتخابات البلدية في جبل لبنان، وسط تساؤلات عمّا إذا كان سيتمكّن أن يحقّق من بوابته "الانتصار" الذي يحلم به والذي يعوّل عليه لقلب قواعد اللعبة السياسية ولا سيما الرئاسية.

لا توحي المؤشرات بذلك، خصوصًا بعد "اختلاط الحابل بالنابل" في مناطق عدّة، وبعدما فشل "التيار" و"القوات" بترجمة تفاهمهما السياسي انتخابياً في أكثر من مكان، حيث عجزا عن تشكيل لوائح مشتركة، ما يعني أنّ زحلة التي وصفها أحد نواب "التغيير والإصلاح" بـ"البداية" لتثبيت "الأغلبية المسيحية" قد تكون هي "النهاية" أيضاً، أقلّه بانتظار استحقاقاتٍ انتخابية جديدة...