ذكرت "الاخبار" انه في تيار المستقبل من يوحي بأن "المعارضين" الذي حصدوا عشرات آلاف الأصوات في بيروت ليسوا بعيدين عن التيار، وأن رئيس التيار سعد الحريري "لم يخفِ ميله في البداية إلى صيغة ما" مع لائحة "بيروت مدينتي"، لاعتقاده بأنها تمثّل نبض حركة 14 آذار أساساً. إلا أن حرصه على حلفائه الآذاريين، بحسب مصادر قيادية في "المستقبل"، دفعه إلى عدم الغوص في التحالف مع "المجتمع المدني"، حرصاً على ما بقي من نسيج يجمَع أحزاب "انتفاضة الاستقلال" و"حلفاءهم الجدد، أي التيار الوطني الحر والطاشناق". أما بعد صدور النتائج، فيوم آخر.
يقرّ بعض من كان موجوداً إلى جانب الحريري مساءَ الأحد الفائت بأن "القلق ساور الرجل لبعض الوقت نتيجة تضارب المعلومات حول أرقام الأصوات تبعاً لعمليات الفرز الأولى"، وخصوصاً لصناديق الاقتراع في الدائرة الأولى، التي "فضحت عدم التزام جمهور القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب بالتصويت للائحة البيارتة بكاملها". يضيف المصدر أن "الحريري كان متخوّفاً من الإجابة عن سؤال مركزي: هل أن القادة الثلاثة (ميشال عون وسمير جعجع وأمين الجميّل) قرروا عدم الالتزام بالتحالف، أم أنهم باتوا أضعف من أن يُلزموا جمهورهم بموقفهم؟". والإجابة التي سمعها من مقرّبين منه عن السؤالين قفزت إلى استنتاج هدفه "التنقير" لا أكثر، ومفاده أنه بات بمقدور التيار الأزرق "التشكيك في أرقام سابقة مفادها أن ثنائية القوات ــــ العونيين تضمن تأييد 86 في المئة من المسيحيين لترشيح عون للرئاسة، فيما الكل يعرف أن الانتخابات البلدية هي مؤشر مهم إلى جدّية الالتزامات بين كل حزب أو تيار وقاعدته".
واشارت المصادر الى انه بعد بيروت، ستنتقل الانتخابات البلدية إلى جبل لبنان، حيث التحالف مع النائب وليد جنبلاط الذي بدا متفرجاً من بعيد في العاصمة، وكذلك القوات وحركة أمل. وهذا الأمر بحسب المصادر سيستدعي "إعادة النظر في هذه التحالفات". ردّ الفعل الحريريّ لن يقتصر على الدورات المقبلة من الانتخابات البلدية، بل يتعداها، منذ الآن، إلى النيابية. فمصادر التيار الأزرق تؤكد أن "نتائج الانتخابات البلدية في بيروت والظروف التي أحاطت بها، ستنعكس، في الانتخابات النيابية المقبلة، على التعامل بين القوى التي ألفت لائحة "البيارتة"، ما يرجّح أن تنتج تحالفات بالمفرق وليس بالجملة حسب المناطق، وحسب المصالح الانتخابية"، خصوصاً أن "الشركاء، وخاصة المنحدرين من 14 آذار، لم يُثبِتوا في الانتخابات البلدية رؤية استراتيجية موحدة. فلائحة البيارتة تعرّضت للتشطيب من جانب القوات والعونيين وحركة أمل، كلّ لغاية في نفسه وبقرارات قيادية". وما جرى، بحسب المستقبليين، ليس أداءً عابراً، "بل أظهر محاولة لزعزعة زعامة الحريري، بهدف تحويله إلى قيادي محدود الزعامة في المكان والفاعلية".
إضافة إلى ذلك، أظهر هذا الجو البيروتي، بحسب مقرّبين من الحريري، عجز هيكلية المستقبل عن سدّ الفراغ الناجم عن غياب رئيس التيار، وسلبية حصر الحركة السياسية بالأمين العام للتيار أحمد الحريري، وضعف علاقة المنسقيات بالجمهور. كذلك فإن مراجعة عمل الماكينة الانتخابية والأداء السياسي، تبدأ بمقارنة بسيطة بين الجهد الترويجي الذي بذلته لائحة "بيروت مدينتي"، والجهد الذي بذل من أجل لائحة "البيارتة"، ليتبيّن أن الأولى كانت أنجح رغم كلفتها الضئيلة، بينما الثانية لا تكاد ترى ولا تترك انطباعاً ولا أثراً عند الآخرين رغم كلفتها العالية.