غاب عن بال إليسار عتيّق انها تعيش في لبنان، بلد اللامبالاة في حقوق الانسان الاساسية وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، فالفتاة التي جعلها "القدر" أسيرة كرسيها المتحرك حاولت ممارسة مواطنيتها في بلدها والاقتراع في انتخابات بلدية بيروت، دون ان توفق في تحقيق غايتها، لا لأن الناس تتهافت على مراكز الاقتراع وتسبب زحمة، بل لأنها مقعدة.
عبّرت عتيّق لـ"النشرة" عن امتعاضها مما حصل معها في احد مراكز الاقتراع في رأس بيروت الأحد الماضي، فتفاعل الخبر كالنار في الهشيم مع تعاطف "النشرة" معها والاضاءة على مشكلتها كأوّل وسيلة اعلاميّة تروي قصّتها، الأمر الّذي أدى لتواصل رسمي معها من قبل مديرية قوى الامن الداخلي، واعتذار رسمي من وزير الداخلية نهاد المشنوق لعدم توفر التجهيزات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة في مراكز الاقتراع.
الحدث والحادثة
توقفت السيارة التي تقل عتيّق على بعد امتار من مدخل احد مراكز الاقتراع في رأس بيروت، فترجلت والدتها وعاونت ابنتها على النزول. "رفعت رأسي على "شوبرة" عنصر قوى الامن لي بأنني لن أستطيع ان انتخب بسبب عطل في المصعد، وانهم لا يستطيعون حملي الى الطابق الرابع لان هذا ليس من ضمن واجبات عناصر القوى الامنية"، تقول اليسار في حديث لـ"النشرة". وتضيف: "انا مهذبة ولم أرد عليهم بل اكتفيت بالصدمة والحزن".
بعد ان روت "النشرة" ما تعرضت له اليسار، تفاعلت مديرية قوى الامن وتجاوبت بالسرعة اللازمة مع الخبر فاستحصلت على رقم عتيّق وتواصل معها رئيس شعبة العلاقات العامة العقيد جوزيف مسلم "المحترم والمهذب والمتفهم" حسب اليسار، التي تشير الى ان أخاها تلقى اتصالا بعد الحادثة واخبروه ان مديرية قوى الامن سترسل اربعة أشخاص لمعاونة شقيقته على التوجه لمركز الاقتراع والتصويت، الا ان حالتها الصحية في ذلك الوقت لم تسمح لها بالخروج.
مؤسسات الدولة تعاني الاعاقة
يعاني ذوو الاحتياجات الخاصة الأمرَّين كلّما ارادوا الاستفادة من مركز عام لاجراء معاملات رسمية أو للاقتراع، والمعاناة حسب رئيسة اتحاد المقعدين سيلفانا اللقيس تبدأ من المنزل حيث يواجه الصمّ والمكفوفون صعوبة بالوصول الى المعلومة لعدم تجهيز المواقع الالكترونية للوزارات، ومن ثم صعوبة الوصول الى المركز العام لعدم وجود وسائل نقل مجهزة، ومن بعدها صعوبة ركن السيارة لعدم وجود مواقف كافية مخصصة، ومن ثم صعوبة الصعود الى المركز، واخيرا صعوبة التواصل مع الموظف لانه "يفتقد" لكيفية التعامل معنا. وتضيف اللقيس في حديث لـ"النشرة": "16 عاما على صدور القانون الخاص بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان 220/2000، ولم ينفذ بعد". وبالعودة للاستحقاق البلدي الحالي تكشف اللقيس أن مركزين اثنين فقط من مراكز الاقتراع في بيروت كانا قادرين على استقبال "الاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة"، مشيرة الى ان "المعنيين طلبوا من وزير الداخلية نهاد المشنوق، التأكيد على وجود "موقف سيارات" لذوي الحاجات الخاصة في المراكز واستخدام الطوابق الارضية في المراكز الانتخابية لتسهيل الامور علينا".
"دون التقليل من قيمة كل الناس، أنا صحيح لديّ اعاقة بس عندي كل مكونات العقل والفكر ونلت علوما تكفي لمن هم في وضعي، ولم أقدر أن أكمل دراستي الجامعية بسبب علاجاتي وعمليّاتي، وكنت نازلة انتخب لائحة بيروت مدينتي لأعطي رأيي، ثم اعود الى بيتي مثل كل الناس، ولم اكن اريد ان اقوم بمشاغبات فأنا مهذبة، وبكل تأكيد سأنتخب في المرة المقبلة وسأقوم بواجبي الوطني وآمل ان تتحقق الوعود التي وصلتني".
هذه رسالة اليسار عتيّق الى العقول والقلوب، كلمات صادقة من قلب أبيض لا يعرف الشر اليه طريقا. اليسار ومثيلاتها يشكّلون 15 بالمئة من مجموع الشعب اللبناني، لا بل نقول انهم يمثلون أجمل ما في اللبناني، وأقل واجباتنا في "النشرة" أن نكون صوتا لمن يشعر ان صوته غير مسموع بسبب "احتياجاته الخاصة".