أسبوعان من الآن ويدخل الفراغ الرئاسي عامه الثالث من دون أن تبرز في الأفق أي معطيات توحي بإمكانية التفاهم الداخلي والخارجي على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لا بل إن ما هو متوافر من ثوابت راسخة يُؤكّد استحالة فك الارتباط المحكم بين هذا الاستحقاق، ومسار ومصير أزمات المنطقة وعلى وجه الخصوص الأزمة السورية، وقد برزت في الساعات الماضية تساؤلات حول ما إذا كانت فرنسا تريد أن تلعب دوراً ما من شأنه أن يُساعد على إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وهو ما تمنّاه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي على الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للتدخل لدى إيران والمملكة العربية السعودية لتسهيل هذا الأمر، وما تبعه من رسالة بعث بها الرئيس الفرنسي إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي يبلغه فيه بأن فرنسا تعمل من أجل حل أزمة إنتخاب رئيس الجمهورية، وتأتي أهمية هذه الرسالة وما طلبه البطريرك الماروني من سيّد الاليزيه من كون أن ذلك يأتي قبل أسابيع قليلة من لقاء الرئيس هولاند مع ولي العهد السعودي، ومن بعدها وزير خارجية إيران محمّد جواد ظريف، حيث تؤكد مصادر سياسية بأن الاستحقاق الرئاسي سيكون من بين الأمور البارزة التي سيبحثها هولاند مع المسؤولين في إيران والسعودية وهو بالتأكيد وضع البطريرك الراعي في هذه الأجواء، وكانت رسالته إلى رئيس المجلس تحت هذا العنوان وهو ما يعطي بعض الأمل في إعادة تحريك المياه الرئاسية الراكدة من البوابة الإقليمية والدولية، من دون الجزم بإمكانية تحقيق أية خروقات جوهرية يمكن النفاد منها باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية.
وفي اعتقاد هذه المصادر أن فرنسا جادة في المساعدة على إنجاز الاستحقاق الرئاسي غير أن دورها ما زال ينطلق على قاعدة «العين بصيرة واليد قصيرة»، بمعنى أنها تريد حصول انتخابات رئاسية لكنها لا تملك مفتاح الحل الذي يؤهلها للعب هذا الدور في ظل المشهد الاقليمي المتبعثر.
وتكشف المصادر السياسية عن شيء يطبخ في الدوائر الإقليمية والدولية بشأن الانتخابات الرئاسية في لبنان حيث ان مراجع سياسية لبنانية وردت إليها تقارير خارجية تفيد بوجود مشاورات أوروبية - عربية - لبنانية حول الاستحقاق الرئاسي، وأن هذه المشاورات ما تزال في الشكل ولم تدخل بعد مرحلة الأسماء مع التأكيد على ضرورة الأخذ بالصيغة التوافقية بين اللبنانيين في هذا الخصوص.
وتُشير هذه المصادر إلى ان المراجع السياسية في لبنان تلقت في الآونة الأخيرة نصائح خارجية بضرورة الإسراع في اجراء الانتخابات الرئاسية، حيث انه من الأفضل للبنان حصول هذا الأمر قبل الاستغراق العالمي باهتماماته الداخلية ويأتي في مقدمة ذلك الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، وتتلاقى هذه النصائح مع رصد حركة فاتيكانية ما تزال بعيدة عن الأضواء تتناول الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وأن المسؤولين الفاتيكانيين يبحثون في هذا الموضوع مع شخصيات لبنانية وغير لبنانية، وهو ما يُشير إلى عودة الاهتمام الخارجي بلبنان على الرغم من الانشغالات القائمة بشأن الأزمات التي تعصف بالمنطقة، وهو أمر يبعث على الارتياح لدى المسؤولين اللبنانيين الذين يعتبرون ذلك عاملاً مساعداً على طريق وضع حدٍ للفراغ الدستوري الذي استوطن قصر بعبدا على مدى سنتين من الزمن وما زال.
وترى المصادر السياسية ان ما يجري في الخارج بشأن لبنان يعتبر فرصة سانحة لا يجوز تفويتها بل العمل على بلورة رؤية معينة يمكن ان تشكّل قاعدة تفاهم محلي واقليمي ودولي لتأمين حصول الانتخابات، وفي حال حصول فشل في تحقيق أي خرق في غضون الأسابيع المقبلة، فإن ذلك يعني ان الاستحقاق الرئاسي سيوضع مجدداً على رف الانتظار حيث ان هناك الكثير من الاستحقاقات المنتظرة التي من الممكن ان تؤدي مجدداً إلى إسقاط الملف اللبناني من أجندة الاهتمام الإقليمي والدولي ويأتي في مقدمة ذلك الانتخابات الأميركية في الخريف.
وتضيف هذه المصادر انه انطلاقاً من هذه النصائح يأتي الرهان اللبناني في الوقت الحاضر على الدور الفرنسي في ان ينجح في إقناع الدول المؤثرة على الساحة اللبنانية بوجوب تحرير الاستحقاق الرئاسي الذي يُشكّل المفتاح الأساس لانتظام عمل المؤسسات، ويعمل على حل الكثير من الملفات العالقة والتي تؤدي إلى تراجع كبير في الكثير من الإدارات والقطاعات والمؤسسات ناهيك عن القنبلة الموقوتة التي يشكلها النزوح السوري في لبنان.
من هنا فإن المصادر السياسية تتوقع حصول مشاورات قريبة لبنانية - فرنسية في سبيل إنجازه في ما تبقى من هذا العام، الذي سيكون عاماً حاسماً في ما خص أزمات المنطقة التي يعمل على وضع تسوية دولية لحلها قبل إغلاق واشنطن نوافذها على العالم الخارجي والتفرغ للانتخابات الرئاسية مع نهاية هذا العام.