لم يعد بإمكان الرئيس سعد الحريري وراعيه الإقليمي أخذ الشارع السُّني إلى حيث يريدان، كذلك لم يعد بوسع الأول احتكار تمثيل هذا الشارع، فإذا كانت عودته وبقاؤه راهناً في البلد، ومشاركته في الانتخابات البلدية والاختيارية، وإدارتها، تنفيذاً لأمر سعودي، في محاولة لإعادة طرحه كـ"رجُل أول" في "الساحة السُّنية"، تمهيداً لمرحلة لاحقةً يتولى فيها تأليب أهل السُّنة ضد المقاومة، خصوصاً في ضوء استمرار التعنُّت السعودي في التعاطي مع مختلف الملفات العالقة في المنطقة، في انتظار مجيء إدارة أميركية جديدة، قد تلبّي رغبات "المملكة"، لاسيما في شأني التصعيد ضد سورية وحزب الله، فحتماً لن يُكتب لمهمة الحريري النجاح، بحسب ما تؤكد مصادر إسلامية طرابلسية تعتبر أنه في حال نجح زعيم "التيار الأزرق" في لملمة بيته الداخلي، يكون حقق "إنجازاً عظيماً"، على حد تعبيرها.
وأبرز ما يؤشر إلى نهاية زمن الاستئثار بالطائفة السُّنية، هو ولادة الثنائي الطرابلسي: الرئيس نجيب ميقاتي والوزير السابق فيصل كرامي، وقد ينضم إليهما النائب محمد الصفدي، الذي بدأ يتبلور عملياً مع انطلاق التحضيرات للانتخابات البلدية.
وفي السياق ترجّح مصادر سياسية طرابلسية ألا يدخل التحالف المذكور في مواجهة مع "تيار المستقبل"، إلا إذا استمر زعيمه بانتهاج سياسيةً الاستعلاء، وبالتالي محاولة مصادرة القرار السُّني، لكن فات الأوان.
وتؤكد المصادر أنه في حال كان لدى الحريري حرص على وحدة الصف السُّني، فيظهر ذلك من خلال محاولته إيجاد جوامع مشتركة مع باقي مكونات هذا الصف، تكفل الحفاظ على وحدته، خصوصاً في مسألة احكتار تمثيل أهل السُّنة، وتشكل الانتخابات الراهنة فرصة ليثبت العكس، وإذا كان عازماً على دفع الطائفة السُّنية إلى مواجهة مع المقاومة في مرحلة لاحقة، فسيلقى رفضاً لنهج كهذا، من التحالف الطرابلسي وسواه، كالوزير السابق عبد الرحيم مراد، والنائب السابق أسامة سعد، الذين لديهم كل الحرص على العلاقات مع الدول العربية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، وفي الوقت عينه عدم نصب العداء للشركاء في الوطن وللدول الصديقة كافة.
وفي هذا الصدد، تأمل المصادر من الجهات اللبنانية التي تورّطت في الأزمة السورية أن تعيد حساباتها، وتعمل على الانخراط في تسوية مع فريق المقاومة في سبيل حماية لبنان، بعد فشل مراهنات هذه الجهات على تغيير الوضع الإقليمي وانعكاسه على الوضع الداخلي.
في المحصلة، يبدو أن الانتخابات البلدية ستكون سياسية في امتياز، رغم طابعها الإنمائي، خصوصاً في الشارع السُّني، وسيبذل اللاعبون الأساسيون فيه قصارى جهدهم للفوز في معركة تثبت الأحجام ضمن هذا الشارع، من خلال هذه الانتخابات، لاسيما في عاصمة "أهل السُّنة طرابلس"، وبالتأكيد سيتأهل الفائز إلى تأدية دور أساسي في المرحلة التي تليها، خصوصاً في مسألة إثبات الحضور الشعبي لدى كل من المرجعيات السُّنية