فوز "لائحة البيارتة"، ليس مؤشراً لانتصار الرئيس الحريري في العاصمة، لأنه احتاج في المنازلة إلى حلفاء، إضافة إلى استمرار انكفاء القيادات السُّنية والعائلات البيروتية العريقة عن المواجهة. وبصرف النظر عن النسبة الهزيلة للمشاركة، والتي كشفت عدم "مونة" الحريري على القواعد الشعبية المصابة باليأس والإحباط، فإن نتائج بيروت جاءت بلا لون، وبلا مؤشر إيجابي على أنها ستنسحب انتصاراً حريرياً في طرابلس وصيدا، خصوصاً أن النصر البيروتي لن يمحو الصفعة العرسالية؛ بسقوط "لائحة الحزم" التي اختار اسمها علي الحجيري تيمناً بـ"عاصفة الحزم"، ما يعني رسالة واضحة للحريري وخلفه السعودية أن عرسال وربما مناطق سُنية أخرى لاحقاً، ترغب بالخروج من ربيع الانتحار العربي، ومن مغامرات سعد الحريري الإقليمية.
انتصر الحريري فقط على الحلفاء المسيحيين في بيروت، وسحبهم إلى تحالف يضمن لهم المناصفة، وحاول "تهذيب" عبارة "زي ما هيي"؛ أنها تعني الحرص على حصة المسيحيين، علماً أن أصل العبارة يرجع إلى والده، لكن باتت في "عهد" سعد مقززة لجماهير بيروتية غادرت بيروت، ولم تعد تكلف نفسها عناء الحضور من الناعمة وبشامون وعرمون من أجل الحريري أو سواه، خصوصاً بوجود شحّ مادي، فتمرّدوا عن الحضور، وبالتالي لا يحق للحريري تسجيل العتب على حلفائه أمام وسائل الإعلام من "بيت الوسط"؛ في ما يشبه الاتهام بالخيانة، نتيجة تصويت 9000 ناخب في الدائرة الأولى و6000 في الدائرة الثانية للائحة "بيروت مدينتي"، و"تمنين" الحريري لهم بأنه حامي المناصفة وراعي الميثاق، علماً أن قائد "القوات" كان جريئاً جداً خلال النهار الانتخابي، وقال في إشارة لقطف المناصفة من "تيار المستقبل": "لنجربهم للمرة الأخيرة".
انتصار الحريري على المسيحيين في بيروت جاء كما الفوقية التي تعاطى فيها حليفه المسيحي الأبرز بيروتياً النائب ميشال فرعون، الذي "تفرعن" في معركة اختيار المخاتير، وقامت القيامة خلال النهار الانتخابي، وبلغت حدود المواجهة بين النائب نديم الجميل مع الحلفاء عبر معركة التشطيب، وتطوّرت الأمور إلى مشادات بين أبناء البيت الواحد في التيار الوطني الحر؛ جماعة زياد عبس بمواجهة جماعة الوزير السابق نقولا الصحناوي، وتدخّل شباب "القوات" للفصل بين المتعاركين، وإنشاء حاجز فصل بين خيمة عبس وخيمة الصحناوي، فبدا المسيحيون في بيروت وكأنهم أضعف من أن يواجهوا الحريري؛ حرصاً على حصة المناصفة، وليسوا أقوياء إلا على بعضهم في الأشرفية، وحسناً فعلت الرابية بتكليف المجلس التحكيمي في "التيار" للتحقيق بممارسات غوغائية لا تليق بالعونيين.
وإذا كانت معركة عرسال هي معركة شخصية للحريري وخسرها، فإن يده لم تتدخّل مباشرة في زحلة، خصوصاً أن زيارة الحريري لزحلة منذ فترة، والترحيب الحار به من قبل السيدة ميريام سكاف، أحرقاها في الصناديق.
خسرت السيدة ميريام سكاف في زحلة، وجاءت الخسارة فادحة لـ"الكرسي الباكاواتي" ليس أمام الأحزاب فقط، بل أمام أبناء زحلة الرافضين لفوقية الزعيم المتوارث، وبصرف النظر عن الأرقام العالية في صناديق الكاثوليك التي حققتها سكاف، فإن الإحصاءات تثبت أن الموارنة باتوا يقاربون الكاثوليك عددياً في زحلة، وأنهم بطبيعة الحال لن يرتضوا أن يكونوا تحت جناح الزعامة "السكافية"، إضافة إلى أن معركة العائلات والأحزاب كانت لكسر آحادية آل سكاف في زحلة أكثر من مبارزة فتوش، والفضل في العمل الميداني لخدمة "لائحة إنماء زحلة" يعود إلى النشاط الاستثنائي الذي قامت به ماكينة "القوات اللبنانية"، التي خاضت المعركة ضد سكاف بـ"تكليف شرعي" من النائب ستريدا جعجع، ولم تنكر السيدة سكاف قبل انهيار التوافق وتشكيل اللوائح أنها خلال زيارتها لمعراب أسوةً بالرابية طلباً للدعم، أسمعتها السيدة جعجع ما لا يُحتمل من الكلام غير الترحيبي بها، وأن المعركة بين ابنتي العم، ولأسباب جذورها في بشري، بلغت ذروتها في زحلة، وكان القرار "القواتي" بمعركة كسر عظم مع ميريام سكاف.
واللافت أن معركة زحلة والبقاع الغربي أظهرت "القوات اللبنانية" قوةً لافتة؛ ترشيحاً وتنظيماً وانتخاباً وعملاً ميدانياً على الأرض، وأنتجت إضافة إلى المكسب البلدي، فوزاً للعديد من المخاتير "القواتيين" في زحلة، ونتائج جيدة في البقاع الغربي والقاع ودير الأحمر، وبدا للمراقبين وكأن قائد "القوات" باع العماد عون تزكية لرئاسة الجمهورية خلال مصالحة معراب، لكن هذه التزكية "لا تُصرف" في أي مكان، وما هي سوى "شيك مؤجَّل" بانتظار توافر الرصيد الإقليمي والداخلي، وقطفها السيد سمير جعجع مسيحياً، وغدا كما الناسك الزاهد برئاسة الجمهورية.
النصر الكبير كان لتحالف حزب الله - "أمل"، وفوز اللائحة المدعومة من عائلات شهداء بريتال، والتي أقصت الطفيلي عن المشهد البعلبكي.. هذا الفوز جاء مدوّياً، لأنه اقترن برحيل علي الحجيري عن بلدية عرسال، وارتاح قضاء بعلبك من جار مزعج كاد بارتهانه أن يتسبب بمجازر بين عرسال والقرى الشيعية المحيطة بها.
إضافة إلى ذلك فإن فوز اللوائح المدعومة من حزب الله و"أمل" بمواجهة لوائح العائلات في كافة مناطق بعلبك - الهرمل، أظهر تمسك الناخبين بوجود المقاومة في قراهم عبر السلطات المحلية، لأن وضع الحدود يتطلب ذلك، عكس الجنوب اللبناني الذي تدفعه حالة الأمن بوجود المقاومة، إلى نوع من الانتفاضة الودية للعائلات على الشيعية الحزبية، لكن حزب الله وكما دوماً، يتحسس واقع "أهله وناسه"، وجنّد عشرة آلاف متطوع لإدارة عمليات انتخابية في ثمانين قرية بين البقاع وبعلبك - الهرمل، وأعلن نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم أن البلديات لن تكون بعد اليوم تجمعات حزبية، بل مجموعات محلية تعمل فقط في حقل الإنماء، والحزب سيكون خلفها لدعمها في هذا المجال، وهذه الخطوة أرادها حزب الله لاحتواء العائلات الجنوبية التي تواجه اللوائح الحزبية، وبدا الحزب وكأنه يحتضن جماهيره مدنياً كما يحتضنهم أمنياً، فكان المنتصر الأول في الانتخابات حتى الآن.