مع بدايات السنة السادسة للحرب على سورية، ومحاولات قيام حل سياسي عبر المفاوضات السورية - السورية، بإشراف دولي ورعاية ثنائية أميركية - روسية، عبر تجربة الهدنة المتنقلة والمؤقتة بين الدولة السورية والدول الإقليمية والغربية، عبر جماعات المعارضة المسلحة، فإن حلب تشكل قطب الرحى وبوصلة الحل في سورية واتجاهاته، ونتائج الأزمة السورية ومستقبل النظام والجماعات المسلحة، التكفيرية منها والرديفة، في ظل غياب معارضة سورية مستقلة عن دول الإقليم، خصوصاً تركيا والسعودية والعدو "الإسرائيلي"، حتى أن مستقبل العلاقة الأميركية - الروسية في الرعاية الثنائية للحلول في منطقة الشرق الأوسط، تمثل ترسيخاً للوجود الروسي في سورية والمنطقة.
إذا تمكّنت الدولة السورية وحلفاؤها من استرجاع حلب وريفها، فإن ذلك يمثل نقلة نوعية لتقرير مستقبل سورية السياسي والجغرافي، ويؤكد وحدة سورية السياسية والجغرافية دون تقسيم أو فيدرالية، وسيعيد النظام وقواه الأمنية السيطرة على العاصمة الاقتصادية (حلب)، ويمسك بالعاصمتين السياسية (دمشق) والاقتصادية (حلب)، وما بينهما، ويخرج من نفق الأحداث منتصراً، حتى لو بقيت بادية الرقة ودير الزور بيد "النصرة" و"داعش".
أما إذا استطاعت الجماعات التكفيرية، بدعم من تركيا والسعودية، السيطرة على حلب، فستجعل منهما نداً للدولة السورية في المفاوضات، وتهديداً للكيان السياسي لسورية، مع الرغبة والإلحاح التركي عبر أردوغان بالسيطرة على حلب، مهما كان الثمن، لكن الأحداث التي وقعت خلال الأسبوعين الماضيين أثارت عدة تساؤلات وتحليلات حول الموقف الروسي، والتباين بين الموقف السوري - الإيراني والموقف الروسي، والذي ظهر في مسألة تحديد الأولويات، حيث يصر الرئيس بشار الأسد على استرجاع حلب قبل الرقة ودير الزور، ويدعمه الإيرانيون في ذلك، فيما يضغط الروس للتوجُّه نحو الرقة ودير الزور، وترك حلب ضمن اتفاقية الهدنة التي ترعاها روسيا وأميركا، ويتجلى الضغط الروسي بعدم الدعم الجوي في معركة خان طومان، التي خرق المسلحون فيها الهدنة، وقبلها الهجوم على حلب، لتثبيت واقع جديد قبل عودة المفاوضات في جنيف، وللإمساك بمدينة حلب، أو التوسع فيها وحصار النظام بدلاً من محاصرة النظام للمسلحين.
والسؤال: هل إن خلافاً حقيقياً ظهر بين الموقفين السوري والإيراني والروسي، أم أنه مجرد تكتيك ومناورة روسيَّين؟
لا بد من الانطلاق من ثابتة أساسية وهي أنه لا مجال لتفكك التحالف السوري - الروسي - الإيراني، خصوصاً في الأعوام المقبلة، بسبب تقاطع المصالح للأطراف الثلاثة، التي تدرك جيداً أن هذا التحالف يحمي مصالحها بالتناسب، وأنها ستخسر مجتمعة أو منفردة في حال كسر هذا التحالف، فالجميع بحاجة إلى الجميع، ولذا فإن تفتُّت هذا التحالف مستحيل في الظروف الحالية، لكن يمكن لهذه الأطراف الاختلاف والتباين في وجهات النظر حول الخطط الميدانية والسياسية وفق أولوياتها.
إن الخلل في الاتفاق الروسي - الأميركي هو تنفيذ الروس لتعهداتهم بالامتناع عن تأمين الغطاء الجوي للجيش السوري في اندفاعه نحو جبهات المسلحين، والضغط السياسي عليه، والتسريب بأن الرئيس الأسد ليس حليفاً لهم كما الأتراك مع حلف "الناتو"، مقابل عدم تنفيذ الأميركيين تعهداتهم بالضغط على تركيا لمنع تسلل المسلحين والعتاد إلى سورية، أو الضغط على السعودية وحلفائها لتجميد المساعدات للمعارضة التكفيرية، وهذا ما عرّض سورية وحلفاءها للغدر عبر استغلال "الهدنة" لتحشيد المعارضة والهجوم على حلب وريفها، ويمكن أن يتكرر في درعا أو غوطة دمشق، لكن لا بد من لفت الانتباه إلى أن أي هزيمة لسورية وحلفائها في الميدان نتيجة التقاعس أو التكتيك الروسي سيرتد على روسيا مباشرة، لأنها تدين في استعادة دورها الدولي إلى سورية وحلفائها بعد التحاقها بهذا المحور بعد أربع سنوات من بدء الأزمة، وقد حصدت الغنائم السياسية والعسكرية والاستراتيجية الكبرى، وإذا كانت روسيا تحاول التوازن بين "الشيعة والسُّنة" بالمعطى السياسي خوفاً من تفجير الجمهوريات الروسية الإسلامية، فلا بد من التذكير بأن أحداث الشيشان سبقت الأزمة السورية، وكذلك جورجيا، ولذا فإن اليد الأميركية المسماة "داعش" أو "القاعدة" وغيرهما لن تكفّ شرّها عن روسيا، سواء ناصرت محور المقاومة أو خذلته.