لم يكن ينقص العلاقة السيئة أصلاً بين "تيار المستقبل" و"​القوات اللبنانية​" سوى "الطنّة والرنّة" التي أحدثتها نتائج انتخابات بلدية بيروت، وخصوصًا في الدائرة الأولى، لتزداد ترديًا وسوءاً، لحدّ الحديث "الجدّي" عن دقّ "المسمار الأخير في نعشها".

ولأنّ "قلوب" الحليفين، اللذين بات يمكن تصنيفهما بـ"السابقين"، بدأت بـ"الامتلاء" منذ "الافتراق" على الملف الرئاسي، فإنّ كلمة "خيانة" التي بدأ تداولها بالغمز حيناً وبكلّ صراحةٍ حيناً آخر تكاد تكون كافية للتمهيد لـ"الافتراق"، الذي يقول العارفون أنّه بات مسألة وقت، لا أكثر.

امتعاضٌ غير خفي...

لا يخفي "المستقبل" امتعاضه من النتائج التي أفرزتها ​الانتخابات البلدية​ في ​مدينة بيروت​، وخصوصًا في دائرتها الأولى، حيث تفوّقت لائحة "​بيروت مدينتي​" على لائحة "البيارتة" المدعومة منه، رغم أنّ الأحزاب المسيحية التقليدية بمجملها، أي "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" و"حزب الكتائب"، كانت جزءاً منها.

وعلى الرغم من محاولة "المستقبليين" التكبير من حجم الفوز الذي تحقق في بيروت، فإنّ القرار اتُخِذ على أعلى المستويات بعدم السكوت على ما جرى في الدائرة الأولى، ولذلك كان رئيس "تيار المستقبل" ​سعد الحريري​ شخصيًا أول المتكلمين في هذا الصدد.

قال "الشيخ سعد" أنّ هناك حلفاء التزموا باللائحة "زي ما هيي"، كما يردّد دومًا، ولكن في المقابل، "هناك حلفاء آخرون فتحوا خطوطا لحساب مرشحين من خارج اللائحة، بشكل كان من الممكن ان يهدد المناصفة، وهذا امر لا يشرف العمل السياسي ولا العمل الانتخابي".

للوهلة الأولى، ظنّ الجميع أنّ الرسالة "الحريرية" المبطنة موجّهة إلى "التيار الوطني الحر"، الذي لم تعد انقساماته الداخلية خصوصاً في بيروت بخافية على أحد، والذي لم تقتنع "قواعده" بالتحالف مع "المستقبل"، ولو أخذ الطابع "الانتخابي المحض".

ولكن لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى يدرك الجميع أنّ "الحلفاء" الذين قصدهم الحريري يتخطون "التيار"، الذي لا يصنّفه "حليفاً" أصلاً ولو شاركه في لائحة واحدة، بل أنّ "غمزه" كان موجّهًا نحو "القوات" بشكلٍ أساسي، التي كان "الشيخ سعد" التقى رئيسها ​سمير جعجع​ عشية الجولة الانتخابية "البيروتية"، بعنوان "التنسيق".

منطق "الخيانة" مرفوض!

ما لم يقله الحريري قاله نواب "المستقبل"، الذين تصدّروا المنابر الإعلامية وغير الإعلامية خلال الساعات الماضية ليستفيضوا بالحديث عن "خيانة" الحلفاء، الذين حوّلوا لائحة "البيارتة" إلى ما يشبه "سيارة الأجرة" لتأمين وصولهم إلى المجلس البلدي في بيروت، من دون الالتزام بها على الصعيد العمليّ، حتى أنّ بعض "المستقبليين" ذهبوا لحدّ قراءة "رسائل سياسية" خلف الأمر، بل إنّ أحد النواب ربطها بالموقف من الاستحقاق الرئاسي ودعم "المستقبل" لخصم "القوات"، رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​.

وفي مقابل سياسة "التصعيد" التي لجأ إليها "المستقبل"، يصرّ "القواتيون" على رفض "كسر الجرّة" مع الحليف "الأزرق"، رغم كلّ شيء. هم يقرّون بأنّ ما حصل يحتاج إلى "معالجة"، ولكنّهم يختلفون على تشخيص طريقة هذه "المعالجة"، إذ إنّ المطلوب قراءة الأسباب والخلفيات، لا الحكم سلفاً على النيّات، وإن كانوا يؤكّدون تفهّمهم للمواقف الممتعضة الصادرة هنا وهناك. يشدّدون على أنّ الأمر ليس متعمّداً ولا مقصوداً، وأنّ الناس في النهاية ربما أرادوا التعبير عن "قرفهم" و"اشمئزازهم" من الحالة التي وصلت إليها العاصمة، خصوصًا في ظلّ المجلس البلدي السابق وحالة "الشلل" التي أوجدها لنفسه، علمًا أنّ ماكينة "القوات" قامت بما بوسعها لحضّ الناخبين على التصويت لصالح لائحة "البيارتة"، ولكن لا يمكن مطالبتها بأكثر من استطاعتها، وهي لديها مرشح وحيد من أصل 24.

من هنا، يشدّد "القواتيون" على أنّ منطق "الخيانة" الذي يرفع "المستقبليون" رايته، مرفوض. أصلاً، إن كان هناك من يجب أن "يعتب" برأيهم، فهو "القوات اللبنانية"، التي حصل مرشّحها على "لائحة البيارتة" إيلي يحشوشي على النسبة الأدنى من الأصوات، ولم يتخطّ الفارق بينه وبين صاحب الرصيد الأعلى على اللائحة المنافسة الـ7325 صوتاً. أكثر من ذلك، فإنّ من يريد الحديث عن "خيانة"، يمكن أن يذهب إلى انتخابات زحلة، التي صبّت فيها أصوات "المستقبل" لصالح "الكتلة الشعبية" بأغلبيتها الساحقة، بدل دعم "لائحة الأحزاب" التي يتمثّل فيها "حليفهم المفترض"، وإن لم يشاركوا في تشكيلها عملياً.

هل يقع "الطلاق"؟!

ينفي "المستقبليون" أن تكون العلاقة مع "القوات" وصلت إلى "خواتيمها". يقولون أنّ "العتب على قدر المحبّة"، خصوصًا أنّ ما حصل لا يمكن أن يكون عابراً، بل يفترض أن يكون مؤسّساً لمرحلةٍ مقبلة قد تكون حافلة بالاستحقاقات.

ويصرّ "القواتيون" على أنّ العلاقة مع "المستقبل" لم ولن تتأثر ببعض "التفاصيل"، طالما أنّ الاتفاق على الأمور "الاستراتيجية" لا يزال هو هو، وهم يرفضون تصوير تحالفهم مع "التيار" وكأنّه أتى على حساب "المستقبل"، بدليل أنّهم من أقنعوا "التيار" بالانضمام لـ"المستقبل" في العاصمة.

وبين هذا التبرير وذاك، يبقى الأكيد أنّ هناك أزمة ثقة تتراكم أكثر فأكثر بين "القوات" و"المستقبل"، أزمة قد تكون وصلت لأوجها، فإما تكون المصارحة والمكاشفة الكاملة والشفافة، وإما يكون "الطلاق"، و"الخيانة" أكثر من سببٍ وجيهٍ وكافٍ للوصول إليه، خصوصًا إذا ما قرّر "المستقبل" أن يردّ عليها بـ"خيانة مضادة" في دوائر أخرى، وهو ما قد تكشفه الآحاد المقبلة...