ليس بسرّ أنّ التحالف الإنتخابي بين "التيّار الوطني الحُر" و"القوّات اللبنانيّة" لا يشمل كل المدن والبلدات، حيث جرى التوافق بين الطرفين على حقّ الإختلاف وحق المُواجهة الديمقراطيّة في الأماكن التي تعذر تشكيل لائحة مُشتركة فيها، وفي طليعتها بالنسبة إلى إنتخابات يوم الأحد المقبل، مدينة جونية. فهل هذا الإختلاف سيفسد بالود قضيّة بين "التيّار" و"القوات"؟
لا شكّ أنّ الجولة الثانية من الإنتخابات البلديّة والاختياريّة في جبل لبنان يوم الأحد تشمل مساحة جغرافية واسعة، وتضم العديد من المعارك الإنتخابيّة التي سيكون فيها "التيار" و"القوّات" جنبًا إلى جنب، ومنها "سن الفيل" حيث يدعمان لائحة "سن الفيل بتجمعنا" برئاسة جوزيف شاوول بمواجهة لائحة "سن الفيل نحو الأفضل" برئاسة نبيل كحالة، وهو رئيس البلدية ورئيس قسم الكتائب في "سن الفيل" سابقًا. وإلى جانب الأهداف الإنمائية الطبيعيّة، تدور معركة بخلفيّة سياسيّة واضحة، يرغب "التيار الوطني الحُر" فيها بتثبيت تفوّقه الشعبي في المتن، وترغب "القوّات" فيها بإثبات حُضورها في المنطقة أيضًا في محاولة لإظهار إنتشارها السياسي والشعبي في المتن. في المُقابل، يُحاول حزب "الكتائب اللبنانية" الذي يعتبر نفسه من أبرز المُتضرّرين من التحالف العوني-القوّاتي على المُستوى الإنتخابي، الإحتفاظ بما تبقى له من نفوذ في المتن الذي كان "مربض خيله" أيّام مؤسّس حزب "الكتائب" الراحل بيار الجميل. ويستفيد الحزب المسيحي الأكثر عراقة أيضًا من دعم نائب رئيس الوزراء السابق ميشال المرّ الذي كان يرأس في زمن الإحتلال السوري للبنان لائحة نوّاب المتن وعلى مدى أكثر من دورة إنتخابيّة، قبل أن يتقلّص دوره ويتراجع إلى موقع ثانوي وهامشي، مع حُصول "تسونامي" التيار في دورتي 2005 و2009 النيابيّتين. ويُمكن القول إنّ معركة "سن الفيل" وتحالفاتها تنطلق من إعتبارات سياسيّة مُرتبطة بانتخابات المتن النيابيّة المُقبلة، وهي تُمثّل معركة إستمرار للسيطرة الحالية بالنسبة إلى "التيار الوطني الحُر"، ومعركة أحجام يُحاول إثباتها حزب "القوّات"، في مُقابل معركة مواقع يُحاول كل من حزب "الكتائب" والنائب المرّ الدفاع عنها، على أمل إستعادة نفوذ مُتراجع، علمًا أنّ النائب المرّ يدافع أيضًا عبر المعارك البلديّة في المتن، عن موقع رئاسة إتحاد بلديّات المتن الذي تشغله إبنته ميرنا منذ ثلاث دورات بلديّة.
وفي مُقابل تحالفهما في سن الفيل وغوسطا وكفرشيما وجزين وغيرها من المناطق على إمتداد محافظة جبل لبنان، سيتواجه كل من "التيار" و"القوات" في أكثر من مكان، ومنها الحدت والدامور وبسكنتا وغيرها، علمًا أنّ معركة مدينة جونية أخذت الوجه الأكبر من الإهتمام، كونها تُعتبر عاصمة قضاء كسروان حيث نال رئيس تكتّل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون ثقة أغلبيّة الناخبين الموارنة في دورتين متتاليتين، ليكسب مقعده النيابي وليفرض موقعه كرئيس لأكبر تكتّل نيابي مسيحي على الإطلاق. ودعم "التيار الوطني الحُر" للائحة "كرامة جونية" برئاسة جوان حبيش، ينطلق من هدف "التيّار" المُحافظة على سيطرته على كسروان، ليُفاوض مُستقبلاً من موقع قوّة وتفوّق على المقاعد النيابيّة الكسروانيّة، وعلى مُجمل الزعامة المسيحيّة المارونيّة. وبالنسبة إلى إصطفاف حزب "الكتائب" إلى جانب لائحة حبيش فهو يُمثّل مُحاولة لإثبات الحُضور في المنطقة، لتجنّب الإقصاء التام في مراحل إنتخابية لاحقة، شأنه في ذلك شأن حزبي "الوطنيّين الأحرار" و"الوعد"، بغض النظر عن الحجم الشعبي المتفاوت لمختلف الأحزاب المعنيّة المذكورة. في المُقابل، تدعم "القوّات" لائحة "جونية التجدّد ومسيرة عطاء" برئاسة فؤاد البواري والتي تحظى أيضًا بتأييد رئيس مؤسّسة الإنتشار الماروني نعمة إفرام، وكذلك كل من النائبين السابقين فريد هيكل الخازن ومنصور غانم البون اللذين يُحاولان الإحتفاظ بما تبقى لهما من وهج من زمن الإقطاع العائلي، وإستعادة دور سياسي فقداه بفعل "تسونامي" العماد عون في كسروان في دورتي العام 2005 و2009. ويُمكن القول إنّه في الوقت الذي يسعى فيه "التيار الوطني الحُر" إلى إثبات زعامة رئيس "تكتّل التغيير والإصلاح" المسيحيّة والمارونية، يسعى حزب "القوات اللبنانية" لتحضير الأرضيّة لأن يُقاسم "الحكيم" هذا الموقع مع "الجنرال" في المُستقبل القريب. ولأنّ المعركة حامية ومُهمّة وتحتاج إلى كل صوت مُمكن، تغاضى "التيار" عن مواقف رئيس حزب "الوطنيّين الأحرار" النائب دوري شمعون بحقّ رئيسه الفخري، ووافق على ضمّ "الأحرار" إلى التحالف الداعم للائحة حبيش، وتغاضت "القوّات" في المُقابل عن مواقف كل من النائبين السابقين الخازن والبون، وإصطفّت إلى جانبهما في دعم لائحة البواري، على الرغم من سوء العلاقات الحالية معهما.
في الختام، الأكيد أنّ هذا التناقض الكبير على مُستوى التحالفات السياسيّة يعود إلى كثرة الجهات التي تُحاول إثبات نفوذها وحماية مواقعها من جهة، وإلى صغر الحجم الجغرافي للمعارك الإنتخابية الدائرة من جهة أخرى، بحيث يصعب على أيّ حزب أن يحقّق الفوز إلا ضمن تحالف يضمّ العديد من القوى السياسيّة والشخصيّات المناطقيّة. وعلى الرغم من أنّ "التيّار" والقوات" يتنافسان في أكثر من بلدة ومدينة، فإنّ الخط العريض لتحالفهما باق بغضّ النظر عن نتيجة هذه المعركة الإنتخابية أو تلك، لأنّ العين هي على أبعد من مخترة هنا ومن بلدية هناك، وتصل إلى موقع ونفوذ الطائفة المسيحيّة برمّتها ضمن التركيبة اللبنانيّة الشديدة التعقيد.