شكلت الانتخابات البلدية والاختيارية مساحة اختبار عملي للقوى السياسية. هي افضل احصاء علمي لاستطلاع رأي الناس. كان من المفترض ان يكتسح "الثنائي المسيحي" "التيار الوطني الحر" و حزب "القوات" في عز تحالفهم المشهد من زحلة الى بيروت وجونية وما بينهم في المتن. لكن مراجعة تفصيلية بسيطة تكشف ان الحسابات لا تناسب "الحلف الثنائي". هناك جبهة مسيحية جديدة تتشكل من قوى متضررة من "الإلغاء" الذي يفرضه تحالف "الثنائي". هذه الجبهة تقوم على ركام "8 و14 آذار".
أتت نتائج انتخابات زحلة صادمة نسبياً. لم يكن الحلف الحزبي الثلاثي يتوقع ان تصل أرقام "الكتلة الشعبية" وحدها الى ما يقارب عشرة آلاف صوت بفارق مئات الأصوات فقط عن الحلف المذكور، وخصوصا ان الأرقام التي نالتها "لائحة فتوش" قادرة مع "الكتلة الشعبية" على اكتساح زحلة.
في بيروت لم تستطع القوى نفسها ان تجيّش الناخبين المسيحيين، رغم طلبي رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع من الناس الاقتراع لمصلحة "لائحة البيارتة". أظهرت القوتان "العونية" و"القواتية" عجزا في بيروت.
أتت انتخابات جبل لبنان. ماذا حصل؟ اكتسحت اللوائح المدعومة من النائب ميشال المر مشهد المتن. حيث تحالفت معه الاحزاب فازت، وخسرت حيث نافسته. لا يمكن القول ان "التيار" ربح في المتن، رغم مشاركته في البلديات. هل يستطيع مع "القوات" حسم رئاسة اتحاد البلديات؟ بالتأكيد لا. هذا هو معيار الربح والخسارة، خصوصا ان صهر عون رسب في الوصول الى عضوية بلدية عين سعادة، بدل ان يتمنى المواطنون على "الجنرال" ان يُرشح صهره ليزكوه في رئاسة وليس عضوية بلدية. هكذا يُفترض ان يحصل مع "زعيم المسيحيين". لكن ان يُسقط الناس عضوية صهر "الزعيم"، فهذا مؤشر ليس مشجعاً في الحسابات السياسية.
استطاع المر ان يقطف في البلديات مجدداً ثمار زرع سياسي- خدماتي طويل. على مساحة زمنية تمتد لعقود اربعة لم يترك المر الناس، ولم يعش في برج عاجي. اسأل المواطنين عن طرقات وانماء المتن وخدمات المتنيين، يجاوب المواطنون: انه ابو الياس.
بالطبع سينتخب الناس مرشحي المر. لم لا؟ اين خدمتهم المناكفات السياسية؟ وسباق نائب مع زملائه كي يتوّج نفسه زعيماً متنياً؟
يحق "لابو الياس" التباهي. يحق له ان يقول: حققنا فوزاً. يحق للناس ان تختاره، وتبارك لنجله الياس إكمال المسيرة السياسية-الخدماتية. انه الواجب الوطني الذي يحتّم على هذا النهج المتابعة. لا يجب ان يُقفل بيت المر يوماً. هذا ما قاله المتنيون من خلال الاقتراع في صناديق البلدية. هم شبعوا الشعارات السياسية والتشنجات والادعاءات التي لا توظف طموحاً ولا تشق طريقاً ولا تفتح مستشفى او مؤسسة او تداوي على نفقتها مريضاً محتاجاً.
الى جونية، عاصمة الموارنة. كان يجب ان يحوز فيها "زعيم المسيحيين" على أكثرية تفوق السبعين في المئة. اما وقد نال مع حزب "الكتائب" وآخرين اكثر بقليل من خمسين -يقال ان النسبة ارتفعت الى هذا الحد تأييداً للعميد شامل روكز شخصياً، الذي شمّر عن ساعديه دعماً للائحة جوان حبيش- فهذه النتيجة تستحق التأمل. ماذا جرى؟ من هؤلاء الذين حازوا على ما يقارب النصف؟ هل هم فقط أنصار الوزير السابق فريد هيكل الخازن والنائب السابق منصور غانم البون و نعمة افرام؟ اذا صح ان هؤلاء وحدهم نالوا تلك النسبة، فيعني ان جبهة مسيحية متينة بدأت بالظهور ترتكز على جونية وتمتد شمالا نحو زغرتا مع النائب سليمان فرنجية، والى المتن مع الياس ميشال المر، والى زحلة مع ميريام سكاف.
نسب التأييد لتلك الجبهة تقارب النصف بحسب مؤشرات نتائج الانتخابات البلدية. فماذا لو أكملت المؤشرات المشابهة الى عكار؟
غداً قد تتشكل تلك الجبهة رسميا. كلام الخازن أوحى بذلك. بعد سنوات من الصمت خرجت نواة لتلك الجبهة رافضة معترضة تضع نفسها على الخارطة.
ماذا لو جرت الانتخابات النيابية قريباً وفق القانون الحالي؟ هل ستحصل تلك الجبهة على أرقام مشابهة للبلديات؟ ماذا لو انضم حزب "الكتائب" اليها، وهو المتضرر الاول من "الحلف الثنائي"؟
بالطبع ان واقعاً لبنانياً جديداً بدأ يظهر على انقاض تحالفي "8 و 14 آذار". مشهد لن يتفرد فيه "التيار" ولا "القوات" بالأكثرية المسيحية كما كانت الحال منذ عام 2005. هذا ما قالته صناديق البلديات.