اكثر من اسبوع مرّ على بدء الانتخابات البلدية في لبنان، ولا تزال اصداء الجولة الاولى التي حصلت في بيروت محط انظار وسائل الاعلام اللبنانية، لما لها من دلالة على وضوح الصورة السياسية في الانتخابات النيابية المقبلة.
فلبيروت نكهة خاصة، تختلف فيها عن باقي المناطق اللبنانية، فحين تأخذ البلديات كل الاهتمام في لبنان، يبقى لبيروت طابعها الخاص، اذ تنال الانتخابات الاختيارية اكثر من 99% من تركيز القوى السياسية خاصة المسيحية منها، التي تكتفي بضمان حصة لها في المجلس البلدي المنوي انتخابه، في حين تصب جميع قواها في الانتخابات الاختيارية التي تحدد صورة الانتخابات النيابية المقبلة وتشكل بوابتها الرئيسية.
فقد كثرت المقالات المفندة لنتائج انتخابات بيروت الاختيارية والبلدية ومدى تأثير القوى السياسية فيها، بالاضافة عن اسباب تراجع نسبة المقترعين، وتفوق لائحة بيروت مدينتي على لائحة البيارتة في الدائرة الاولى من بيروت.
فبيروت، بشقها الشرقي، لطالما شهدت على مقاطعة مسيحية للانتخابات البلدية فيها، فيما شهدت معركة خجولة، كان الفوز فيها من سابع المستحيلات، وذلك قبيل عودة رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون من منفاه.
ومع ظهور النتيجة المتوقعة في الانتخابات البلدية، وفوز لائحة البيارتة وخسارة لائحة بيروت مدينتي، لا بد من تحديد الخاسرين والرابحين في المعركة الانتخابية وفقاً للمعطيات التالية:
- بيروت مدينتي اثبتت انها خيار جدّي لتكون بديلاً انمائياً عن المجلس القائم، فيما لو كانت تملك خبرة في ادارة المعركة الانتخابية، فهي نجحت في الاعلام، والحشد امام المراكز، الا انها لم توفق بخلق ماكينة انتخابية تنافس خلالها الماكينات الحزبية التقليدية.
- التيار الوطني الحر استطاع ان يضمن الحصة الاكبر له داخل التوزيع السياسي المسيحي، حاصداً 3 مقاعد من اصل 12 عضو مسيحي بالاضافة الى مقعدين اثنين لحليفه، حزب الطاشناق، كاسراً هيمنة تيار المستقبل على القرار البلدي، وفارضاً نفسه شريكاً اساسياً على طاولة جلسات المجلس البلدي الجديد.
- الكتائب اللبنانية دفعت ثمن صراع الشيخين، سامي ونديم، فخسرت مرشحها الحزبي ايلي نصار، المحسوب على رئيس الحزب، النائب سامي الجميل مقابل اعتبار مرشح غير حزبي مرشحها الرسمي، كونه اقرب الى النائب نديم الجميل منه الى سامي الجميل.
- القيادي في التيار زياد عبس اثبت انه لم يعد يمسك بالارض العونية، اذ كانت جميع مراكزه الانتخابية خالية من المؤيدين، باستثناء مركز وحيد للرميل امام مدرسة الحكمة الذي شهد على استعانة عبس بكل من له مشاكل مع التيار، وجميع المفصولين حديثاً ليشكلوا الجزء الاكبر من الحضور تحت خيمته. كما سجل غياب تام لمندوبيه داخل اقلام الاقتراع حيث لم يتعدّ عدد مندوبيه العشرة اشخاص، كانوا اغلبيتهم داخل مدرسة الحكمة – الرميل. كما ان عبس الذي قام بتشكيل لوائح قوامها بعض المرشحين الذين لم يحالفهم الحظ في ان يكونوا ضمن لوائح التوافق المسيحي المدعومة من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وهو قام باخذ الصورة لهم، ودعمهم على شبكة التواصل الاجتماعي، الا انه وفي ارض المعركة لم يستطع تأمين اصوات لهم كافية لان يسترجعوا مبلغ التأمين الذي يعاد للمرشح اذا نال 25 % من اصوات المقترعين على الاقل.
- رجل الأعمال انطون صحناوي لعب علنياً دور المتفرج على الانتخابات البلدية، داعياً الى المقاطعة عبر مدير مكتبه ميشال جبور الا ان بعض المرشحين الذين يدورون في فلكه استمروا بترشيحهم على لوائح زياد عبس غير المكتملة علماً ان الاحصاءات تشير الى ان نسب الاقتراع، 20%، تشابهت مع انتخابات 2010، التي عمل فيها انطون صحناوي بكامل قواه على دعم لوائح 14 اذار انذاك، في حين ان مقاطعته العلنية لم يكن لها من تأثير. الا انه استطاع للمرة الاولى احداث خرق في صفوف التيار الوطني الحر عبر تحالف بعض مرشحيه مع القيادي زياد عبس، منه ما كان تحالف علني، ومنه ما كان غير معلن.
-العائلات في الاشرفية والرميل اثبتت انها لا تزال موجودة، خارقة بذلك الحواجز الحزبية، محققة اعلى نسبة اصوات بين اللائحتين التوافقيتين في المنطقتين، خاصة بعد انسحاب المختار الياس الحايك لصالح لائحة التوافق المسيحي التي ترأسها المختار الياس صباغة.
-نائب رئيس التيار الوطني الحر نقولا صحناوي فرض نفسه على انه صاحب القرار في بيروت في اختيار من يراه مناسباً لخوض المعركة الانتخابية به، مؤمناً له نسبة اصوات عالية، لم تتأثر بتشويش عونيي عبس عبر تشطيبهم مرشح التيار في الرميل فادي ناكوزي. كما استطاع تحصيل اكبر عدد ممكن من المقاعد للتيار الوطني الحر وحليفه حزب الطاشناق الذي سلّم دفة التفاوض للصحناوي الذي لم يفرّط بالتحالف المسيحي من جهة، ولم يساوم على حصة التيار والطاشناق من جهة اخرى.
-خسر زياد عبس علاقته بالعماد عون بشكل نهائي، حيث خالف تعليماته العلنية، ورفض الالتزام بها، رغم سعيه للحظة الاخيرة التفاوض على اسم مرشح يسميه للانتخابات البلدية على لائحة البيارتة، كما انه لم يستطع تأمين اصوات كافية لمرشحه في منطقة الرميل، اذ اشارت الارقام الى ان لمرشح احدى العائلات في الرميل اصوات تضاعف الاصوات التي استطاع عبس تحصيلها، فما اظهرته الارقام تؤكد ان حجم عبس الكلامي يفوق حجمه الحقيقي باضعاف كبيرة، فهو حصّل 998 صوت لمرشحه في الرميل، وبقراءة الارقام، نرى ان المرشح مارون نوفل امّن اكثر من 350 صوت للائحة غير المكتملة، في حين امّن المرشح الكتائبي ايلي ك. نصار حوالي 250 صوت لنفس اللائحة، اما باقي الاصوات فانقسموا بين مرشح انطون صحناوي الذي امن 150 صوتاً بحسب قوله، وبالتالي فإنّ القوة التجييرية لعبس ومرشحه لا تتعدى 250 صوتاً، وهذا رقم قد يصل اليه اي مرشح عائلي بحال ترشح بشكل منفرد.
اذاً، مرّ نهار 8 ايار على خير وسلام في الاشرفية، الا ان وقائع الارض خرقت الاصطفافات السياسية، فخرج كل من بيروت مدينتي والعائلات والتيار الوطني الحر منتصرين، كلّ بطريقته، في حين خرجت الكتائب اللبنانية وزياد عبس بشكل ضعيف اذ انهم خسروا مصداقيتهم امام الرأي العام واثبتوا غيابهم عن ارض المعركة خلافاً لما اظهروه على وسائل تواصلهم الاجتماعي.