لم يكن سقوط خان طومان حدثاً ميدانياً مفاجئاً هزّ دمشق وحلفاءها كما صوّره الإعلام الخليجي و"الإسرائيلي"، قياساً بما تمّ تجهيزه في ثنايا الخطة "ب" الأميركية بذراعيها السعودية والتركية، حيث كان الهدف من الهجوم الضخم الذي شنه "جيش الفتح" بقيادة "جبهة النصرة"، اجتياحاً كاملاً لمواقع الجيش السوري وحلفائه على امتداد جبهات حلب وأريافها، لاسيما أن هذا الهجوم الذي تمّ التحضير له على مدى شهرين؛ إبان إقرار الهدنة في سورية، عبر دعم تسليحي أميركي - تركي - سعودي - "إسرائيلي" مباشر وغير مسبوق، لم يحقق هدفه المنشود، واستطاع الجيش السوري "تقزيم" مكاسب الهجوم إلى حدودها الدنيا.إلا أنما استفزّ طهران هو العملية القاسية التي تمثّلت باستهداف ثلاثة عشر من مستشاريها العسكريين في خان طومان، "عبر ضربة جوية نفّذتها دولة معادية"، وفق تأكيد مصادر صحافية إيرانية، تبعها بعد فترة وجيزة اغتيال القائد الجهادي في حزب الله مصطفى بدر الدين، وما بين الحدثَين خبر أمني لافت: "غارة إسرائيلية تستهدف رتلاً لحزب الله كان ينقل أسلحة من سورية إلى لبنان"، تمّ نفيه من قيادة الحزب، وكذلك فعلت "إسرائيل". الغارة "الإسرائيلية" حصلت فعلاً، لكن ما هو الهدف الذي كان مقصوداً؟
هو الحدث الأمني الأبرز الذي سبق اغتيال القائد في حزب الله، والذي سُجِّل يوم الثلاثاء الماضي في العاشر من الجاري. نفاه الحزب، وهو نفي في محله.
يكشف مصدر صحافي في بيروت، استند إلى معلومات أمنية وُصفت بالـ"مؤكدة"، أن أحد كبار قادة "معارضة الرياض" وضابطين من الاستخبارات الأميركية والفرنسية وقعوا في قبضة حزب الله، عبر عملية أمنية معقَّدة قادت نخبة من مقاتليه إلى غرفة عمليات مستحدَثة باشر ضباط فرنسيون وأميركيون وسعوديون بإدارته اقبل سقوط خان طومان بأيام، في منطقة لم تُحدَّد، تخضع لسيطرة "جبهة النصرة" في حلب. المعلومات التي شبّهت العملية المعقدة بتلك التي نفّذها حزب الله في شهرآذار 2014 - حين توغّلت مجموعة من مقاتليه في نقطة بعمق منطقة القلمون، كانت تخضع حينها لسيطرة الميليشيات المسلحة، ونجح في تصفية خمسة من قادة خبراء تفخيخ السيارات التي كانت تصل إلى الضاحية الجنوبية عبر عرسال - كشفت أن الاستخبارات الأميركية رجّحت أن يتم نقل الأسرى إلى لبنان، فسارعت واشنطن إلى طلب المساعدة العاجلة من تل أبيب؛ في محاولة لإنقاذ الوضع، فيما وضعت مصادر صحفية أخرى علامات استفهام حول قصف الرتل، والإمكانية الكبيرة لتعريض حياة الأسرى للخطر، لترجِّح احتمال تقصُّد تصفيتهم قبل بلوغهم "مناطق نفوذ" حزب الله.
وحسب ما كشفت المعلومات أيضاً، فإن الغارة "الإسرائيلية" استهدفت رتلاً من السيارات على طريق محاذٍ للحدود اللبنانية، اعتقدت الاستخبارات الأميركية و"الإسرائيلية" أن المُختطَفين موجودون ضمن هذا الرتل، ليتبيّن لاحقاً بعد انقشاع غبار القصف، أنها سيارات خاصة تنقل مهرّبين لبنانيين وسوريين، وقد قُتل منهم ثلاثة أشخاص، اثنان منهم من بلدة سعدنايل البقاعية اللبنانية.
من جهتها، كشفت مصادر صحفية إيرانية أن العملية الأمنية التي نفّذها حزب الله في "عقر دار جبهة النصرة" في حلب، أتت رداً على هجوم خان طومان، و"ضربة "استهداف مجموعة المستشارين العسكريين الإيرانيين في خان طومان، من قبَل طائرات أميركية وليس من الميليشيات المسلَّحة، انطلقت من قاعدة إنجرليك في تركيا، مشيرة إلى أن ثلاثة من المستشارين الذين قضوا في الاستهداف هم من الفريق الخاص والمقرَّب من قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وأن قصف غرفة عملياتهم جاء بناء على معلومات استخبارية "إسرائيلية"، وكان المقصود تصفية سليماني نفسه، الذي لم يكن موجوداً حينها في سورية. وربطاً بالأمر، لفتت المصادر إلى أن مشاورات حثيثة تجري بين طهران وموسكو، التي نقلت رسالة إيرانية "من العيار الثقيل" إلى واشنطن، مفادها "وصلت الرسالة.. وردُّنا لن يقف عند هذا الحد".
بدأ عمل استخباري جبّار للرد على عملية الأسر.. هدف صعب موضوع على لائحة الاستهداف "الإسرائيلي" منذ سنوات طويلة، هو القيادي مصطفى بدر الدين، الذي توّجته "إسرائيل" على رأس قائمة المتَّهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعد عجزهاعن تصفيته أمنياً، ولاحقته على مدى عشر سنوات عبر المحكمة الدولية دون جدوى. نُفِّذ الهدف، وتبعه بيان لحزب الله، لم يتّهم "إسرائيل" بشكل مباشر بعملية الاغتيال، بل حصر الاتهام هذه المرة بـ" فصائل تكفيرية موجودة قرب منطقة الاستهداف". بيان لم تهضمه دوائر تل أبيب، بل انسحب إرباكاً على أجهزتها الأمنية والاستخبارية، التي أدرجت تحييد الاتهام عن "إسرائيل" في سياق تكتيك حزب الله بالتصويب على هدف والضرب باتجاه آخر!
وتشير المعلومات إلى أن استهداف بدر الدين تم عبر عملية استخبارية ضخمة، خطّطت لها الاستخبارات الأميركية و"الإسرائيلية"، بمؤازرة سعودية، ونفّذتها فرقة خاصة في "جبهة النصرة"، تمّ تدريبها منذ العام 2012 على أيدي ضباط في جهاز "أمان الإسرائيلي"، لهدف يشمل حصراً قيادات رفيعة المستوى في حزب الله على الأراضي السورية، من دون إغفالها التأكيد على أن منفّذي العملية باتت أسماؤهم وجنسياتهم بحوزة الجهاز الأمني للحزب.
وعليه، وبانتظار ما سيعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته اليوم الجمعة رداً على اغتيال القيادي مصطفى بدر الدين، حريّ التوقُّف أمام معلومات لافتة نقلها رون بن يشاي؛ محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت احرونوت" العبرية، عن شخصية استخبارية صنّفها "رفيعة المستوى" في تل أبيب، حملت تحذيراً من "أن يكون نصرالله قد عمَّم قراراً خطيراً على قادة وكوادر حزبه، قد يكون الأقسى في تاريخ الحرب الأمنية المفتوحة مع حزب الله".